اخر الاخبارالمال والاعمال

«النقد» للظروف الطارئة فقط

ft

الكاتب مدير سابق لمحافظ استثمارية

قال الخبير الاقتصادي العالمي، محمد العريان، منذ أيام في بودكاست «موني كلينيك»، الذي تقدمه «فايننشال تايمز»، إنه أعاد تخصيص قدر من أمواله من الأسهم إلى «النقد». كذلك، يعتقد مدير صندوق التحوط فاحش الثراء، راي داليو، أن تعويذته القديمة التي لطالما تمسّك بها بأن «النقد هراء»، لم تعد صحيحة وصالحة.

وكما هي الحال دائماً، فقد قام الأثرياء بهذه الخطوة قبل اختفائهم في جزيرة إبيزا، أو منتجعات هامبتونز لقضاء عطلة الصيف.

وخَلص استطلاع أجرته «سي إن بي سي» في يونيو، وشمل أُسراً أمريكية تتمتع بأصول قابلة للاستثمار تزيد على مليون جنيه إسترليني، إلى أن النقد يشكّل ربع محافظهم الاستثمارية. ويتماشى هذا مع تخصيص ثلث الأصول في المتوسط للنقد أو ما يعادله (مثل صناديق أسواق النقد أو شهادات الإيداع)، الذي أبرزه استطلاع «كابجيميني»، الذي شمل 3,000 مدير للثروات وعملاء في الشهر ذاته.

قرأت هذه الاستطلاعات عند صدورها، ولم أصدق هذه الأرقام، فمثل هذه المراكز النقدية الضخمة، تفوق كثيراً ما يحتاجونه لتغطية الطوارئ، مثل قارب جديد أو شراء شقة قريبة من كلية الفنون. فما السبب وراء إخراج هذا القدر الكبير من المال من الأسواق؟ تشير كافة دراسات الأصول طويلة المدى، إلى أن النقد هو أسوأ فئات الأصول أداءً على المدى المتوسط إلى الطويل.

هل يعود الأمر إلى الكسل؟ إن نسبة النقد في محفظتي البالغة 12 %، تعود إلى أنني لم أكلّف نفسي عناء إعادة تخصيص بعض من النقد الذي حصلت عليه عند بيع حيازاتي من الأسهم الأمريكية الشهر الماضي. يمكنني أن أتظاهر بتبني استراتيجية توقيت السوق، لكني بذلك أخدع نفسي.

أفادت دراسة أجرتها شركة «أليانز لايف» في أبريل، بأن ثلثي المستثمرين الأمريكيين يدركون أن لديهم أموالاً نقدية على نحو يفوق ما يحتاجون إليه. سيقول علماء السلوك بلا شك، إن هذا مرتبط بتحيزات غير عقلانية في مواجهة عدم اليقين أو الخسارات المُحتملة.

لكن حيازة قدر ضخم من النقد قد يكون قرار الاستثمار الصائب في ظروف محددة (قد تدوم طيلة عقود، وهو أمر تفهمه ربات البيوت اليابانيات جيداً). ويكون ذلك عندما تكون التوقعات لكل فئات الأصول الأخرى أسوأ. لكن ما «الأسوأ»؟ إذا كان يعني مقارنة للعوائد بعد تعديلها وفقاً للتضخم، سيكون من الصعب فهم السبب، لماذا يظل النقد ذا جاذبية اليوم؟.

هنا في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، توفر أفضل حسابات الادخار الفورية فائدة بنحو 5 %، لكن العائد الحقيقي يبلغ _ 1 %، في ظل تسجيل التضخم 6 %. وكانت الفائدة على الإيداع 0.8 % منذ 5 أعوام، عندما سجل التضخم 1.8 %. إذن، فهو عائد حقيقي متطابق.

كما أن الحُجة التي تتجه إلى أن النقد أفضل من فئات أصول أخرى، ليست صحيحة. وبالبقاء في بريطانيا لسهولة المقارنة مع ما سبق، فقد سجلت عائدات السندات لأجل 10 أعوام 1.7 % بنهاية 2018، فيما العائد الحقيقي كان يساوي صفراً. واليوم تبلغ عائدات السندات الحكومية البريطانية نفسها 4.4 %، فيما العائد الحقيقي قدره – 1.6 %، وذلك بعد احتساب التضخم. إذن، فالعائد الآن ليس هو المكسب الإجمالي الحقيقي. وهكذا، فإن علينا البحث عن العوائد المُتوقعة، وتعديلها وفق المخاطرة التي نتحملها.

وفي ما يتعلق بالأولى، فإن السندات ستسجل أداءً سيئاً، إذا واصلت أسعار الفائدة ارتفاعها، والعكس صحيح. وعلى صعيد الأخيرة، فإن السندات أكثر تقلباً، مقارنة بالنقد. كذلك، تعاني السندات أيضاً من مخاطر متعلقة بالتصنيفات، ومخاطر ائتمان، ومخاطر أسعار الفائدة، فضلاً عن مخاطر العجز عن السداد ومخاطر السيولة، وغيرها وغيرها.

أنت بحاجة إذن إلى شهادة دكتوراه لتسعير ذلك. لكن من الواضح أن بعض المستثمرين وصلوا إلى استنتاج مفاده أن نقطة مئوية واحدة إضافية من العائد الحقيقي، ليست كافية لتعويضهم عن المخاطر الإضافية، لذا، فهم يميلون إلى الثقة التي يوفرها النقد لهم. لكن ذلك يفوّت نقطة مهمة، حينما يتعلق الأمر بإدارة محفظة استثمارية، فالسندات بالتأكيد ترتفع وتنخفض على نحو أكبر من النقد، لكن ما يهم أيضاً، هو شكل حركتها، مقارنة بحيازاتك الأخرى. من جانبه، لا يقوم النقد بشيء عند انخفاض الأسهم، بينما دائماً ما ترتفع السندات، ما يقلل من المخاطر إجمالاً.

ثمة خطأ آخر يرتكبه بعض الناس، وهو افتراض أن النقد في حساباتهم المصرفية مرادف للاستثمارات «الشبيهة بالنقد»، مثل صناديق أسواق النقد. وصحيح أن الأخيرة فيها كلمة نقد، لكنها ليست نقداً.

وتمتلئ أغلب صناديق أسواق النقد بأدوات دخل ثابت قصيرة الأجل، تصدرها المصارف أو الحكومات أو الشركات، ودائماً ما تتسم هذه الأدوات بأنها عالية الجودة، لكنها مُعرضة للمخاطر ذاتها التي تواجه حيازات السندات.

وعندما نضع في الاعتبار أنه تم ضخ ما يزيد تريليون دولار في صناديق أسواق النقد العالمية هذا العام، لا يسعني سوى التساؤل عن عدد المستثمرين الذين يعتقدون بأنها خالية من المخاطر؟ النقد ليس خالياً من المخاطر، وهذا الأمر سيخبرك به أي أرجنتيني أصابته تداعيات التضخم.

لا عجب من أني أتلقى كثيراً من رسائل البريد الإلكتروني، التي تسألني الكتابة عن الأصول المُشفرة والذهب، أكثر من أي موضوع آخر. ربما بإمكاني فعل ذلك، عندما أستقبل رسالة غير مكتوبة بالأحرف الكبيرة (CAPS). لكن، وفي الوقت الراهن، لا تتوقعوا مني أي مخصصات نقدية في محفظتي الأسبوع المقبل.

كلمات دالة:
  • FT

«النقد» للظروف الطارئة فقط

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock