اخر الاخبارالمال والاعمال

العطاء يتواصل عالمياً حتى في الأيام الحالكة

ft

واحدة من القصص القليلة التي تبعث على السعادة، منذ حرب أوكرانيا في العام الماضي، كانت مرونة الأعمال الخيرية، حتى في الأوقات الصعبة.

ففي المملكة المتحدة، ورغم قفزة التضخم والضغوط الناجمة عن أزمة تكلفة المعيشة، سلّط التقرير السنوي الأخير، الصادر عن مؤسسة المعونة الخيرية، الضوء، على بلوغ التبرعات الخيرية في 2022 رقماً قياسياً عند 12.7 مليار جنيه استرليني، ارتفاعاً من 10.7 مليارات استرليني في العام السابق.

أما في الولايات المتحدة، فقد تراجع العطاء الخيري بصورة طفيفة، لكن هذا يعكس، جزئياً، السخاء الاستثنائي للعديد من الأمريكيين في العام السابق، الذين تبرعوا بمدفوعات كوفيد 19 لمرة واحدة وقللوا تكاليف التنقل للأعمال الخيرية، ولا يعكس بالمرة ابتعاداً عن العطاء.

والدافع الخيري عالمي. وربما يكون المفهوم الإندونيسي للتشارك في تحمل الأعباء، والذي يُسمى «غوتونغ رويونغ»، السبب وراء تربّع إندونيسيا على رأس مؤشر العطاء العالمي لمؤسسة المعونة الخيرية للعام السادس على التوالي. لكن الدول الأكثر سخاءً، وفق مجموعة من المقاييس، تشمل الولايات المتحدة، وبلداناً ذات موارد ضئيلة نسبياً، مثل ليبيريا وكينيا. لكن كيفية تفسير الأشخاص لهذا وتصرفهم، بناء على هذا الدافع العالمي، يختلف من دولة إلى أخرى.

يُعدّ الحدّ من الفقر ثاني أكثر مقاصد التبرعات الخيرية في الولايات المتحدة. وفي بريطانيا، يحل الرفق بالحيوانات في الدرجة الثالثة من حيث حجم التبرعات. لكن في أغلب الدول، تحتل المنظمات الدينية المرتبة الأولى، سواء كانت المكرسة لتعليم الأطفال، أو رعاية كبار السن، أو الاهتمام بحالة الفقراء عالمياً، أو الحفاظ على مناخنا.

ويعكس هذا مشهداً عالمياً، يتمثل في أن المتدينين من المرجح لهم أكثر أن يتبرعوا للأعمال الخيرية، بغض الطرف عن دخلهم، ما قد يعني أن العالم قد يصبح أكثر بروداً تجاه القضايا الخيرية عندما تصبح المجتمعات أكثر علمانية.

وفي الوقت الراهن، لا يزال العطاء الخيري قوياً، وكذلك الهبات الكبيرة التي يتبرع بها أثرى أثرياء العالم. لكن العمل الخيري بصفة عامة، والإحسان على وجه الخصوص، آخذ في التغير.

ولم تعد التبرعات غير المالية، مثل التطوع، إلى مستويات ما قبل الجائحة، فيما يؤشر تراجع قدر الأموال المُتبرع بها إلى أن هناك تبرعات أقل لمرة واحدة أو زيادة في التبرعات عن طريق الاقتطاع المباشر أو أوامر قائمة. أما في عالم الإحسان، فرغم أن الأشخاص ما زالوا مهيمنين على هذا الفضاء، لكن القاطرة ما زالت تسير بمبالغ تبرعات متزايدة من جانب المؤسسات والشركات.

والكثير من هذه التغيرات مُرحب به، لكن البعض الآخر لا يحظى بمثل هذا الترحاب. ويتيح التحول نحو الاقتطاع المباشر والابتعاد عن المدفوعات لمرة واحدة للمؤسسات الخيرية تخطيطاً أفضل للمستقبل، ويمنحها درجة أعلى من اليقين.

وجلبت المؤسسات الخيرية، مثل تلك التي أسسها بيل ومليندا غيتس، لمواجهة الفقر عالمياً، قدراً كبيراً من الصرامة والتركيز اللذين يحتاج إليهما عطاء الأثرياء الخيري بشدة. ومن الصحيح، والمُرحب به، أن الشركات تعتبر النشاط الخيرية جزءاً من دورها مثل المواطنين الصالحين، سواء بإدارة مؤسساتها الخاصة، أو جمع التبرعات من موظفيها، أو جهود أخرى.

لكن عصر الثري الفردي المحسن جلب معه أهمية أكبر لقضايا غير اعتيادية أو غير عصرية يمكن التجاوز عنها، مثل العمل مع السجناء السابقين على سبيل المثال، أو إعادة تأهيل المجرمين الخطرين. والشركات، التي غالباً ما تجابه تدخلات الساسة والاضطرار إلى موازنة حاجات تنويع القوى العاملة، قد تجد أن عطاءاتها أكثر محدودية وأقل إثارة للجدل السياسي، مقارنة بعطاءات المتبرعين الأفراد ذوي القيمة العالية. لكن انحسار الأنشطة الشخصية، أي وجهاً لوجه، سواء من خلال جمع التبرعات أو التطوع في الخدمات، يُعد إحدى التبعات المؤسفة للجائحة، والتغير الذي طرأ على كيفية عيشنا وعملنا. وفي النهاية، يعكس استمرار قوة العطاء الخيري للأثرياء حقيقة أعمق ودافعاً يدعونا للسعادة، وهي أننا نقيم وزناً، ليس للتشارك في تحمل الأعباء فحسب، بل أيضاً للإنسانية المُشتركة لبعضنا بعضاً.

يجدر الفخر باستمرار هبة المال والإحسان، وهي تجلب معها بهجاتها الخاصة لمن يتبرعون. ولكن في العام المقبل، دعونا نأمل في أن نواصل التعلم من مسرات المجتمع، والقرب، وهبة وقتنا هذا.

كلمات دالة:
  • FT

العطاء يتواصل عالمياً حتى في الأيام الحالكة

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock