اخر الاخبارالمال والاعمال

مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة تبلغ مرحلة فاصلة

ft

في كثير من الأحيان تكون هناك لحظة يتغير فيها الشعور العام بشأن قضية سياسات كبيرة على نحو عميق. وبالنسبة لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، فإننا نعيش هذه اللحظة.

الأمر لا يتعلق فحسب بالعدد الكبير من القضايا الكبيرة المرفوعة في الشهر الماضي، سواء ضد «أمازون» و«غوغل» والاستثمارات الخاصة وصناعة اللحوم، أو حتى حقيقة بدء لجنة التجارة الفيدرالية استخدام كامل صلاحياتها للمرة الأولى منذ عقود وفرضها عقوبات جنائية على مسؤولين تنفيذيين ارتكبوا جرائم احتيال أو خداع. الأكثر أهمية، هو أن الظروف صارت مواتية أكثر وعلى نحو متزايد لاتباع نهج جديد أكثر شمولية لإنفاذ مكافحة الاحتكار.

ويتجلى هذا على أفضل نحو في قضية لجنة التجارة ضد «أمازون». لقد ظهر إلى السطح، على سبيل المثال، أن «أمازون» استغلت خوارزمية سرية تحمل اسماً رمزياً يُدعى «مشروع نيسي»، لتعظيم أرباحها في مختلف فئات التسوق بما يصل، كما تشير تقارير، إلى مليار دولار. وتمكنت «أمازون»، التي تسيطر على حصة تصل إلى 40 % من إجمالي التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة، من التسبب في زيادة الأسعار في فئات منتجات بأسرها بعد رفع أسعارها الخاصة.

ويحذو منافسون ببساطة حذو عملاق التجارة الإلكترونية، ما يعني في النهاية أن المستهلكين يدفعون رسوماً أعلى. وردت «أمازون» بأن المشروع كان ببساطة طريقة لإيقاف سباق لانحدار الأسعار إلى القاع، لكنه بالطبع جزء مهم لبداية نموذج لأعمال كبرى شركات التكنولوجيا.

إن المنصات تدخل سوقاً جديداً عبر الاستعداد لتحمل خسائر بغرض النمو ولو حتى على حساب الأرباح. وهذا ما فعلته «أمازون» في أيامها الأولى، حيث اشتهرت بدفع منافسين خارج السوق، مثل «ديابرز دوت كوم»، كما خفضت هوامش الربح بدرجة كبيرة على الكتب الإلكترونية. ثم بعد أن تهيمن على السوق، تشرع في رفع أسعارها، والأمر شبيه بقفزات الأسعار في أوقات الطلب المرتفع على «أوبر».

وفي حالة «أمازون»، ادعت لجنة التجارة الفيدرالية بأن الشركة ينتهي بها الحال إلى فرض تكاليف أعلى على المستهلكين، بما أنها تعاقب البائعين الذين يحاولون تقديم أسعار أقل على مواقعهم الخاصة أو مواقع المنافسين، الذين قد يقدمون أسعاراً أقل للشحن أو الإحالة أو الإعلان.

وبالتركيز على حُجة أن شركة التجارة الإلكترونية العملاقة بإمكانها رفع الأسعار وخفضها على نطاق واسع، تستغل اللجنة بمهارة حُجة من حجج مدرسة شيكاغو المتعلقة برفاهية المستهلك، وتهدف بذلك إلى تعزيز ما يُعرف بنهج «البرانديز الجدد» في مكافحة الاحتكار، والذي، كما كتبت رئيسة اللجنة لينا خان، يأخذ في اعتباره الديناميكيات الأساسية للسوق التي تقود إلى الاحتكار.

لقد أسست لينا خان، بالفعل، سمعتها الخاصة عن طريق هذا النهج، وخاصة الحُجة التي تقول إن الجهات التنظيمية لن يكون بإمكانها «إدراك الأضرار المُحتملة على المنافسة التي يشكّلها احتكار أمازون» إذا قاسوا المنافسة في المقام الأول من خلال «السعر والإنتاج».

إن الجهات التنظيمية بذلك لا تضع في الاعتبار مصالح المنتجين والحالة العامة للسوق. فضلاً عن ذلك، وكما أشارت خان في 2017 في مقال نشرته مجلة «ييل لو جورنال» القانونية، إن نهج هذه الجهات التنظيمية فشل «حتى في ظل الاعتقاد بأن مصلحة المستهلك يجب أن تظل ذات الأهمية القصوى»، بما أنها حرصت على عدم إمكانية اتخاذ أي إجراء وقائي. وكان على الحكومة بذلك أن تنتظر حتى يتضرر المتنافسون والمستهلكون.

ومن المستحيل إدراك الحجم الهائل لقضية «أمازون» حتى الآن، بما أن الوثائق العامة حُجِبَت منها الكثير من التفاصيل. وحتى بمعايير عمالقة التكنولوجيا، فإن عدد عمليات إخفاء المعلومات في قضيتي «أمازون» و«غوغل» كبيرة للغاية إلى درجة أنها أثارت الغضب الشديد للعديد من الصحافيين (الذين يواجهون صعوبة حتى في الكتابة عن أساسيات القضية)، والأمر نفسه مع النشطاء. وتبدو بعض حالات إخفاء التفاصيل جسيمة للغاية، خاصة المرتبطة بجهود المسؤولين التنفيذيين لإخفاء معلومات داخلية عن الجهات التنظيمية أو إعاقة تحقيقاتها.

كل ذلك يلفت الانتباه إلى حقيقة أن الشركات تتعرض لضغوط كبيرة للغاية من الجمهور لمزيد من الشفافية في هذه القضايا. وبنهاية سبتمبر، دعا أميت ميهتا، القاضي في قضية «غوغل»، المحامين إلى إجراء مزيد من الاستجوابات في المحاكمة علنية وليس في جلسات مغلقة. يمثل هذا أيضاً شكلاً من أشكال التحوّل نحو نهج أكثر اتساماً بالبرانديزية الجديدة.

وعندما كان تأثير روبرت بورك، وهو رائد بمدرسة شيكاغو ومؤلف كتاب «إشكالية مكافحة الاحتكار»، على أشده، كان يُفترض بأن الشركات تتصرف غالباً بحسن نية. لكنها الآن تتعرض لضغط أكبر حقاً، حسبما أعتقد، لكي تتسم بالشفافية. ويُعد هذا مهماً على وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بكبرى شركات التكنولوجيا، لأن المنصات غالباً مع ما تتمتع بميزات غير عادلة فيما يتعلق بالمعلومات مقارنة بالمستهلكين والمنافسين والجمهور.

وبغض الطرف عما ستؤول إليه قضية «أمازون» تبدو الحقائق المتاحة حتى اللحظة مؤكدة على صحة المسلك القانوني لخان والنهج البرانديزي الجديد، أو على الأقل عندما يتعلق الأمر بمنصات التكنولوجيا. وقد تعرضت خان لانتقادات لاذعة من الكثيرين لتجاهلها رفاهية المستهلك المتمثلة في المنافع التي توفرها الأسعار الأقل.

لكن معتقداتها، التي يمكن فهمها ضمنياً من مقالها في عام 2017، تنطوي على أن المشكلات الكبيرة على التنافس دائماً ما ستتجلى عندما تصبح الشركة قوية للغاية وواسعة الانتشار إلى درجة أنها تتمتع بما يكفي من النفوذ لرفع الأسعار، ورغم ذلك، مواصلة الهيمنة على سوق بعينها.

من الواضح أن هذا هو الوضع بعينه في حالة «أمازون». إنها شركة تتمتع بقوة غير متماثلة في السوق مقارنة بالبائعين، لدرجة أنها يمكنها بسهولة تشكيل اتحاد احتكاري دون أن يدري الآخرون أنهم أعضاء في هذا التكتل. إنها «رأسمالية المراقبة» ـ أي التحكم في السلوك البشري بهدف الربح من تحويل الواقع وبياناته إلى سلعة، عندما يطبقها الخبراء. وأعتقد بأن الدعوات لمزيد من إجراءات مكافحة الاحتكار ستزداد وتزداد كلما علمنا أكثر.

كلمات دالة:
  • FT

مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة تبلغ مرحلة فاصلة

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock