اخر الاخبارالمال والاعمال

معركة «أبل» اختبار جدّي لمستقبل التنظيمات العمالية في الولايات المتحدة

ft

استمتع تيم كوك، الرئيس التنفيذي لـ«أبل»، بالسلاسة التي جرى بها الاجتماع السنوي لعملاقة التكنولوجيا منذ أيام، إذ صوّت المساهمون ضد مُقترح كان من شأنه إجبار الشركة على إصدار تقرير مُفصّل عما إذا كانت تستخدم الذكاء الاصطناعي على نحو أخلاقي. وأشاد كوك بازدياد استثمارات «أبل» في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وألمح إلى إعلان بالغ الأهمية في هذا السياق في وقت لاحق من العام الجاري.

لكن وسط هذا الحماس بشأن الذكاء الاصطناعي، تواجه «أبل» والشركات الأمريكية الأخرى ذات رأس المال الكبير ضغوطاً من جانب المستثمرين بشأن مشكلة أقل مستقبلية، وهي حقوق العمال.

فقد أصدر عدد من المستثمرين في «أبل»، عشية الاجتماع السنوي، بياناً مُشتركاً، أعربوا فيه عن قلقهم بشأن نهج الشركة فيما يتعلق بالتنظيمات العمالية. وتقدم هؤلاء المستثمرون في نوفمبر 2022، وبينهم «تريليوم أسيت مانجمنت» ونظام المعاشات التقاعدية في مدينة نيويورك وصندوق المعاشات التقاعدية لمقاطعة مانشستر الكبرى، مُقترحاً من المساهمين كان من شأنه إجبار «أبل» على تكليف طرف ثالث لإصدار تقييم لاستجابتها لمحاولات العاملين لديها في قطاع التجزئة بالولايات المتحدة لتنظيم أنفسهم.

جاء ذلك بعدما وجه موظفون في منافذ البيع بالتجزئة الخاصة بالشركة، اتهامات بـ «أساليب ترهيب لتثبيط أي تنظيم عمالي»، وهي الادعاءات التي نفتها «أبل». ووجد المجلس الوطني لعلاقات العمل لاحقاً أن ثمة ما يبرر هذه الشكاوى، وأن قواعد العمل والسرية لدى «أبل» قيّدت على نحو غير عادل جهود العاملين لتنظيم صفوفهم.

وقد قطعت «أبل» الطريق أمام مبادرة المساهمين، وكذا الإحراج المُحتمل لتصويت المساهمين ضدها، عن طريق الاجتماع بالمستثمرين وقطعت وعوداً بالتكليف إصدار التقرير الذي طلبوه. وبيّن المستثمرون في بيانهم الأسبوع الماضي، أن هذا التقرير، الذي أصدرته شركة جينر آند بلوك للمحاماة في ديسمبر الفائت، لم يرضهم بالمرة. ومن بين شكاواهم، سلّط المساهمون الضوء على تركيز التقييم بشدة على سياسات «أبل» المُعلنة، وليس على كيفية تطبيقها عملياً، إلى جانب عدم احتواء التقرير على إفادات من عينة ممثلة من العمالة. والأكثر أهمية هو حذف التقرير لإفادات من العمالة التي حاولت تنظيم صفوفها. ولم تستجب «أبل» أو «جينر آند بلوك» لطلبات التعليق.

وتسلّط هذه المواجهة الضوء على بعض المشكلات المهمة التي يجدر بالشركات الأمريكية والمساهمين فيها وضعها في اعتبارهم. وتتمثل واحدة منها في ازدياد تركيز المستثمرين المؤسسيين على القضايا الاجتماعية. وفي حين يركز جدول أعمال الاستثمار المُستدام بشدة على التغير المناخي وتحوّل الطاقة، فقد ازداد اهتمام مديري الأصول، أو بعضهم على الأقل، بمسألة حقوق العمالة، بعد تشكيل شبكة المستثمرين المهتمين بحقوق العمال في نوفمبر الماضي. وفي ضوء سيطرة الأعضاء المؤسسين على أصول بقيمة 2.2 تريليون دولار، ستعمل الشبكة على دفع الشركات إلى «احترام الحقوق الأساسية للعمال في حرية تكوين النقابات والتفاوض الجماعي». وبدأت قرارات المساهمين التي تطالب بإفصاح أفضل عن حقوق العمال في الحصول على دعم من كبار المستثمرين، ومن بينهم صندوق الثروة السيادي النرويجي البالغة قيمته 1.5 تريليون دولار.

وقد أخبرني جوناس كرون، كبير مسؤولي الدعم لدى «تريليوم» قائلاً: «أعتقد بأننا في بداية تحوّل مزلزل فيما يتعلق بعلاقات العمال في هذا البلد». لكن الأمر ليس جلياً للغاية بعد. ومن المؤكّد أن الاضطرابات التي ألمّت بسوق العمل أثناء جائحة فيروس كورونا وبعدها ساهمت في تعزيز موقف العمالة المُنظمة بالولايات المتحدة. وحققت النقابات العمالية قدراً ملموساً من المكاسب على مدى العامين الماضيين. وأدى الإضراب في العام الماضي ضد أكبر ثلاث شركات في صناعة السيارات النقابية بالولايات المتحدة، وكان الأول من نوعه على الإطلاق، إلى تنازلات كبيرة فيما يتعلق بالأجور والحوافز. وأعلنت «مايكروسوفت» في يونيو 2022 اتخاذها موقفاً محايداً إزاء تنظيم العاملين في ألعاب الفيديو لديها لأنفسهم، ما يعني «أننا نحترم حق موظفينا في اتخاذ قرارات متبصّرة بأنفسهم». ويتعارض هذا مع الموقف الذي اتخذته شركات أمريكية كبيرة أخرى، دافعت بدورها عن حقها في الإيعاز لموظفيها بالجوانب السلبية لتأسيس اتحادات نقابية.

ومع ذلك، واصل معدل الانضمام إلى النقابات العمالية انخفاضه، ليبلغ مستوى قياسياً متدنياً عند 10% من العاملين الأمريكيين في العام الماضي. وفي حين تمتعت الجهود العمالية للتنظيم بدعم حكومي قوي في ظل حكم الرئيس الأكثر تأييداً على نحو صريح للنقابات العمالية لعدة أعوام، فإن هزيمة جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل قد تعكس هذه الديناميكيات، ما سيضع التزام المستثمرين بحقوق العمالة تحت ضغوط إضافية.

وبخلاف اهتمام المستثمرين بحقوق العمال، تسلّط مواجهة «أبل» الضوء على ازدياد مطالباتهم بإجراء تقييمات من أطراف ثالثة لادعاءات الشركات المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية. وصوّت المساهمون في الاجتماع السنوي لشركة «ستاربكس» العام الماضي لصالح مُقترح يطالب الشركة بتكليف طرف خارجي بإصدار تقييم لنهجها بشأن تنظيمات العمال. وواجهت «أمازون» مُقترحاً يدعو إلى إجراء تدقيق خارجي للأوضاع في مخازنها، الأمر الذي صوّت لصالحه 35% من المساهمين، فيما يشكّل تحدياً لتوصيات مجلس إدارة الشركة.

وكنت قد كتبت الشهر الماضي عن بحث جديد أجراه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كشف وتيرة أقوى على نحو بالغ لخفض الشركات للانبعاثات، وهي الشركات التي تُسنِد التدقيق في تقاريرها البيئية إلى أطراف خارجية. لكن، وحسب ما كتبته أليسون تايلور، الأستاذة المشاركة لدى جامعة نيويورك رداً على المقال، فثمة حاجة للتدقيق في جودة ما تخرج به هذه الأطراف الثالثة. ويسلّط تحقيق في تدقيق «كيه بي إم جي» البيئي الضوء على مخاطر أخذ مثل عمليات التدقيق هذه كما هي دون تمحيص.

وأوضحت استجابة براد لاندر، المراقب المالي لمدينة نيويورك، وزملاؤه من المستثمرين النشطاء، على تدقيق «أبل»، تحويلهم لتركيزهم حالياً على جودة مثل عمليات التدقيق الخارجية هذه. كما أعلنوا في يناير الماضي تقييماً سلبياً للتدقيق الذي خرجت به «ستاربكس»، الذي وصفوه بأنه يفتقر لأي أدلة على وجود إفادات من العمال. وعند التواصل معها للحصول على تعليق، أشارت «ستاربكس» إلى بيانها الصادر الأسبوع الماضي بشأن اتفاق مع ممثلين عن العمال «للبدء في مناقشات عن إطار عمل تأسيسي يرمي إلى تحقيق اتفاقات المفاوضات الجماعية، بما في ذلك عملية منصفة للتنظيم». والآن، عادت الكرة إلى ملعب المستثمرين. ومن شأن إطلاقهم حملات جديدة لإجراء عمليات تدقيق أكثر صرامة فيما يتصل بالعمالة لدى كل من «أبل» و«ستاربكس»، ومدى الدعم الذي يمكنهم حشده في صفوف كبار المساهمين، تحديد شكل التوقعات إزاء هذا الجانب من نشاط المستثمرين. وبدوره، قد يكون لهذا عموماً تأثير حقيقي على مستقبل تنظيم العمالة الأمريكية.

كلمات دالة:
  • FT

معركة «أبل» اختبار جدّي لمستقبل التنظيمات العمالية في الولايات المتحدة

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock