معاهدة «بيرياسلاف 1654».. لماذا تريد بولندا الانتقام منها بأيدي زيلنسكي؟

ما زالت الأحداث التاريخية التي تعود إلى قرون مضت، حاضرة في ذاكرة المعنيين بالصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، وتحديداً دول الجوار مثل بولندا وليتوانيا المؤيدتان بشدة لكييف ضد موسكو في الحرب الدائرة حالياً، وكذلك السويد التي لديها تاريخ من التمدد العسكري على الأراضي الأوكرانية والبولندية والصدام مع روسيا القيصرية.
وبينما تقرأ الدول المعنية بالصراع، والبعيدة جغرافياً عن أوكرانيا، الحرب الدائرة حالياً من منظور الوقت الحاضر، فإن التاريخ يفرض نفسه على خطابات زعماء الدول ذات الإرث التاريخي المتشابك في المنطقة الممتدة بين روسيا وبولندا بما في ذلك أوكرانيا.
وأمس، تطرق رئيس بولندا، أندريه دودا، في اجتماع مع الجالية البولندية في لاتفيا، إلى الحرب في أوكرانيا لكنه لم يكتفِ بخطاب سياسي حقوقي كما يفعل عادة زعماء الغرب، إنما عاد بذاكرته إلى التاريخ، وتحديداً قبل 369 عاماً حين تأسس لأول مرة في التاريخ التحالف الروسي الأوكراني من خلال معاهدة بيرياسلاف عام 1654.
وقال الرئيس البولندي خلال اللقاء: «ذات مرة، منذ وقت ليس ببعيد، قلت للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: فولوديمير، بالنظر إلى تاريخنا، أطلب منك عندما تهزم روسيا، وعندما يأتي الروس إلى هنا (..) لتوقيع معاهدة سلام، أن تصطحبهم إلى بيرياسلاف»، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية (يوكرينفورم) اليوم الأربعاء. وأضاف مخاطباً الرئيس الأوكراني «دعهم يوقعون معاهدة سلام معك هناك. ودعهم يمحون كل تلك السنوات من النفوذ السوفيتي والروسي».
ويأتي طلب الرئيس البولندي من زيلنسكي توقيع «معاهدة الانتصار» على روسيا في مدينة بيرياسلاف، في محاولة لتعديل مسار التاريخ من النقطة التي بدأ منها.. من بيرياسلاف.
و«بيرياسلاف» مدينة من مدن أوكرانيا وتتبع العاصمة كييف إدارياً، وفيها أبرم الثائر الأوكراني الشهير، هيتمان بوهدان خميلنيتسكي معاهدة سلام مع روسيا القيصرية عام 1654.
وأصبح بوهدان خميلنيتسكي، جزءاً تأسيسياً ضمن السردية الوطنية الأوكرانية، ولا تخلو اليوم مدينة أوكرانية من نصب تذكاري له. إلا أن مسيرته التاريخية في قيادة ثورات واسعة وطويلة في منطقة نهر دنيبر وسط أوكرانيا، دشنت تاريخ التحالف بين روسيا القيصرية والقوزاق الذين كانوا يهيمنون في السابق على معظم مساحة أوكرانيا. وقد وقع بوهدان خميلنيتسكي هذه المعاهدة مع روسيا القيصرية تحت شعار «معاً أبداً»، و هذا الشعار موجه أساساً ضد التحالف البولندي الليتواني الذي كان يهيمن على معظم أوكرانيا وأجزاء من روسيا، فجاء هذا التحالف عبر معاهدة بيرياسلاف بين روسيا وأوكرانيا ليقلب خريطة النفوذ في المنطقة ويدشن تاريخاً جديداً لروسيا كامبراطورية عظمى في العالم بدون انقطاع.. من عام 1654 وحتى اليوم.