اخر الاخبارالمال والاعمال

لماذا لا يواكب ماجستير إدارة الأعمال العالم المتغيّر وضرورات الاستدامة؟

ft

المدير التنفيذي لشركة جود ستيوارد بارتنرز والمبعوث السابق للأمم المتحدة والمستشار الخاص لرئيس «إم إس سي آي»

بعد رحلة طويلة من العمل على إدارة أكبر صندوق للمعاشات التقاعدية في العالم، وعضوية مجالس إدارة العديد من الشركات متعددة الجنسيات، ومن خلال التعامل باستمرار مع الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين، أرى أن الاستدامة أصبحت، وبصورة متزايدة، تشكل أولوية أساسية للشركات.

لماذا إذن يفشل العديد من برامج ماجستير إدارة الأعمال في تحديث التعليم في مجال إدارة الأعمال بطرقٍ تأخذ العالم المتغير والمشهد في عالم الأعمال بعين الاعتبار؟ من خلال تمسكهم بالمناهج القديمة، يفوّت المعلمون فرصة مهمة لتحفيز اهتمام الطلاب بالمواضيع التي تتطلب الإتقان بعد التخرج؛ لتولي المناصب التنفيذية الحديثة.

وإذا رجعنا 50 عاماً إلى الوراء، ربما لم يفكر أساتذة المالية مطلقاً في أن نظرية تسعير الخيارات يجب أن تدرَّس لخريجي إدارة الأعمال. اليوم أصبحت هذه النظرية قاعدة أساسية في إدارة الأعمال، وهو مثال على التعليم الذي يعكس احتياجات قطاع الأعمال، بما في ذلك صناعة التمويل، لتحضير الطلاب بشكل جيد.

من الضروري إذن أن تنظر كليات إدارة الأعمال إلى الاستدامة بمنظور مماثل، مع فارق رئيسي، وهو أن الاستدامة ليست مجرد مقرر تعليمي غير متكرر، بل هي أساس جديد من أسس إدارة الأعمال. لقد ولّت الأيام التي كان يمكن فيها التعامل معها على أنها مقرر اختياري.

وتحتاج برامج ماجستير إدارة الأعمال تحديداً إلى نهج أكثر شمولية وتعددية في الاختصاصات، يدمج التفكير في الاستدامة ومفاهيمها وأدواتها في المنهج الدراسي. وستظل جميع كليات إدارة الأعمال تخذل طلابها إلى أن تطبق هذا النهج.

في عام 2015، كنا أقلية حين بدأت الدعوة إلى دمج عوامل الممارسات البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات في محفظة صناديق المعاشات في صندوق الاستثمار الحكومي للمعاشات التقاعدية في اليابان.

أما الآن، يستخدم مديرو الأصول في جميع أنحاء العالم الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في تحليلاتهم، بعضهم يعتبرها العامل الجوهري الأكثر أهمية، والبعض الآخر يعتبرها عاملاً وقائياً وأحد المتطلبات الأساسية. ولم يعد بإمكان مديري المحافظ تجاهل أو إهمال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وإلا فإنهم يخاطرون بتجاهل المخاطر طويلة المدى المرتبطة بمحافظهم الاستثمارية.

لقد قاد قطاع التمويل أجندة الاستدامة. ويعد تحالف جلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفرية مثالاً جيداً، حيث يضم التحالف 650 مؤسسة مالية رائدة من أكثر من 50 دولة، وهذه المؤسسات ملتزمة بتحويل محافظها المالية إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية.

لقد واجهت هذه الجهود مقاومة، بما في ذلك الهجمات السياسية على الممارسات البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات في الولايات المتحدة. ومن المهم أخذ النظرة طويلة الأمد بعين الاعتبار، فقد طورت الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات كأداة تحليلية مالية؛ لإدارة المخاطر النظامية في المحافظ الاستثمارية.

من جانبه، يطالب جيل القادة القادم بتركيز أقوى على الاستدامة، إلا أن عدم التركيز على الاستدامة في دورات إدارة الأعمال الدراسية قد يخاطر بالإيحاء للطلاب بأنهم لا يحتاجونها. وقد اختبرت ذلك بنفسي، فقد اعتدت التغريد بانتظام عن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وغالباً ما كنت أتلقى ردود فعل عدوانية. ووجدت حين تحريت عن الأشخاص الأكثر تشككاً، أن الكثير منهم كانوا من طلبة ماجستير إدارة الأعمال الشبان.

ولا تزال هناك بعض العقبات الكبيرة التي يجب التغلب عليها فيما يخص المناهج المالية. ويثبط نقص البيانات والأبحاث عزيمة الأكاديميين عن متابعة أو تدريس موضوع ما. ومن المنصف القول إن الحصول على بيانات على مستوى مؤسسي حول الممارسات البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات والمناخ، يشكل تحدياً كبيراً للباحثين الأكاديميين.

وقد أطلقت «إم إس سي آي»، حيث أعمل مستشاراً خاصاً للرئيس التنفيذي، معهداً للاستدامة على خلفية هدف يتمثل في: توفير بيانات مالية متعلقة بالاستدامة للباحثين الأكاديميين من دون أي توجهات، أو توقعات بشأن خطط أبحاثهم. والهدف وراء ذلك هو تكافؤ الفرص، والتأكد من أن الأكاديميين بإمكانهم التعامل مع البيانات نفسها التي يستخدمها الممارسون.

كذلك، تحتاج المناهج الدراسية المالية إلى التغيير. وحالياً، يحتاج طلاب إدارة الأعمال إلى تعلم كيفية تقييم المخاطر النظامية، مثل تغيّر المناخ، والتي لا يمكن تناولها من خلال نظرية المحفظة التقليدية، كما أنه من المهم بالنسبة إليهم فهم حركة الاستثمار المستدام، وذلك يشمل تأثيرها على التحليل المالي على نطاق أشمل.

هناك دافع ثالث مهم للتغيير، هو الشركات نفسها، وخاصة الشركات الاستثمارية التي توظف خريجي أفضل برامج ماجستير إدارة الأعمال، فالموظفون الجدد من خريجي ماجستير إدارة الأعمال سيتعاملون مع موضوعات الاستدامة يومياً في غرف الاجتماعات؛ لذا يجب أن تكون الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إحدى الكفاءات الأساسية للخريجين.

وعلى سبيل المثال، إذا التزمت شركة أو مؤسسة استثمارية ما بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، فمن الطبيعي أن تتوقع من الموظفين الجدد أن يكونوا قد حظوا بالتدريب اللازم؛ للمساعدة في رسم الطريق للوصول إلى هذا الهدف.

ويحتاج القائمون على التوظيف لمعرفة أن خريجي إدارة الأعمال تلقوا التدريب الذي يتوقعه أصحاب العمل، كما يحتاجون إلى تحديث نهجهم، عن طريق السؤال عن المؤهلات التي تشمل المهارات التحليلية للممارسات البيئية، والاجتماعية، وحوكمة الشركات، وعقلية الاستدامة. وكما هي الحال مع ماجستير إدارة الأعمال، فإن إدارات التوظيف لم تتكيف بعد بما يكفي. وعلى الشركات كذلك التأكيد على ضرورة مماشاة الموارد البشرية لاتجاهات التطور في قطاعات التمويل، ما يعني التركيز على الاستدامة بشكل عام.

ومع الوضع الحالي المستعر لكوكبنا، فإن موضوع الاستدامة يعتبر من أهم المواضيع بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين، فالشركات الآن تتعرض لضغوط هائلة لتقليل الانبعاثات وتسهيل تحوّل الطاقة وتحفيز التحوّل نحو اقتصاد متجدد يخدم الناس والكوكب، والأجيال القادمة بشكل أفضل.

فإن كان الهدف من كلية إدارة الأعمال هو إعداد الشباب ليصبحوا قادة الغد، فلا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بتخريج طلاب غير مستعدين للعالم الذي ينتظرهم؛ لذا فقد آن الأوان لإجراء تجديد شامل لتعليم إدارة الأعمال، وذلك يشمل المناهج المالية، لتعكس حقاً وفعلياً العالم الذي نحتاج إليه.

كلمات دالة:
  • FT

لماذا لا يواكب ماجستير إدارة الأعمال العالم المتغيّر وضرورات الاستدامة؟

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock