اخر الاخبارالمال والاعمال

كتب الخيال العلمي تساعد في وضع أول قوانين الذكاء الاصطناعي

ft

الكاتبة نائبة رئيس المفوضية الأوروبية المعنية بالقيم والشفافية

ذهبت لتناول وجبة سريعة في مطعم قريب، قبيل بدء فعاليات قمة الذكاء الاصطناعي الدولية في بلتشلي بارك الشهر الماضي. جلس أمامي رجل وأخرج كتاباً قديماً، على غلافه اسم إسحاق أزيموف، أحد أشهر كتاب الخيال العلمي. ويبدو أنها لم تكن مجرد صدفة.

كان أزيموف مُتقدماً على عصره، خلال منتصف القرن العشرين، حين توقع الدور القوي الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في حياتنا. وصور في كتبه سلسلة من القوانين التي تضمن أن الروبوتات لن تؤذي أو تضر البشر، بل ستطيعهم.

وبينما كنت متوجهة إلى القمة لمناقشة مستقبل الذكاء الاصطناعي الآمن، ذكرني ذلك الرجل وكتابه بأهمية أن نضمن ـ نحن السياسيين ـ الحصول على نتائج مماثلة. وكنت تأملت، خلال رحلاتي إلى لندن وطوكيو وواشنطن وبكين وبالطبع بروكسل في الخريف الماضي، حقيقة أننا نكتب أول مجموعة قوانين لتنظيم العمليات الحاسوبية التي ستكون أسرع وأقوى من البشر بكثير.

لقد تفوقت الأعمال الحقيقية على الخيال العلمي بسرعة. وفي بكين، تناقشت مع السياسيين الصينيين حول نموذجهم التشريعي. والذي لا يختلف كثيراً عن نموذجنا فيما يتعلق بالجانب التقني، ولكنه يختلف فيما قد يسهم فيه من سيطرة الحكومة على المجتمع. وفي الولايات المتحدة، التي اتسمت سابقاً بنهج غير منظم، فقد أشار ممثلوها إلى أمر تنفيذي صدر عن إدارة بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي في أواخر أكتوبر. وعلى مقربة من الوطن، أقود مفاوضات باسم الاتحاد الأوروبي في مجموعة الدول الصناعية السبع. وهناك، تمكنا من الوصول إلى تشريعات للمستوى العالمي، وهي مدونة طوعية لمطوري الذكاء الاصطناعي، تنطوي على الخضوع للمساءلة فيما يتعلق بالأمن وتبادل المعلومات.

وقد استجابت أوروبا سريعاً لطلب ذكاء اصطناعي آمن. واكتسب الإطار المقترح لعام 2021 زخماً مع تزايد الحاجة الملحة لجعل التكنولوجيا آمنة وفعالة. واستمر ما يسمى بالحوار الثلاثي، الحوار النهائي بين رئاسة إسبانيا والبرلمان واللجنة، لـ36 ساعة وانتهى بتسوية تاريخية. وقد وجهت احتياجات الأفراد جميع الفقرات، حيث يضمن هذا القانون الأمن وحماية الحقوق الإنسانية الأساسية في مواجهة الأنظمة فائقة الذكاء، والتي قد تثبت على المدى الطويل أنها تفكر أفضل منا.

كما توصلنا إلى العديد من الفئات لتصنيف المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث تشمل الفئات ذات المخاطر المنخفضة ألعاب الفيديو وخوارزميات ترتيب رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بنا (أشياء أعتقد أننا جميعاً سنستفيد منها). وستفرض على الفئات ذات المخاطر العالية متطلبات أكثر صرامة، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالأجهزة الطبية أو تأثيرها على سلوك الناخبين في صناديق الاقتراع.

أما قائمة المرفوض فتشمل كل ما يهدد حقوقنا الإنسانية الأساسية. ويمكن أن يتضمن ذلك أنظمة التصنيف البيومترية على أساس الدين والعرق والتعرف على المشاعر في مكان العمل، أو استخراج الوجوه غير المستهدفة من الكاميرات في الأماكن العامة (ويستثنى من ذلك ما له صلة بقضايا الأمن القومي).

في الوقت نفسه، ندرك المكاسب المحتملة للذكاء الاصطناعي الآمن، ونرغب حقاً في جعل الاتحاد الأوروبي مركزاً له. ولهذا قررنا إتاحة أجهزة الحواسيب الفائقة للشركات الناشئة والمتوسطة والصغيرة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما سنستثمر أكثر من مليار يورو سنوياً في أبحاث الذكاء الاصطناعي، عن طريق برنامجي هورايزون وديجيتال يوروب.

ولم تقر الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي اتفاقنا السياسي بعد. وسيدخل القانون حيز التنفيذ تدريجياً وعلى مراحل، ومن المقرر أن تكون التشريعات الكاملة سارية مبدئياً في عام 2026. وفي هذه الأثناء، سيظل الذكاء الاصطناعي يحدث تحولاً في حياتنا.

وسنعهد إليه بالعديد من الأنشطة التي يمكن أن يحل فيها محل البشر، ولكننا لن نسمح له بأن يتسلل إلى النشاطات التي يمكن أن تؤثر على حقوقنا الأساسية مثل: حرية التعبير عن الرأي، أو حماية الملكية الفكرية.

إنني، منذ البداية، أؤمن بأنه يجب تمييز المحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي، حتى يتسنى للتفكير والإبداع البشري الاحتفاظ بشيء أقرب إلى «حقوق الملكية الفكرية البشرية». بالفعل، نحن نتعلم كيف يمكن للتكنولوجيا تغيير تصوراتنا عن الواقع والحقيقة. ويعمل الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات المتاحة لديه، دون تمييز للصحيح منها. وفي عالم يمكن فيه ظهور تقنيات التزييف العميق من العدم، فنحن دوماً عرضة لفقدان إحاطتنا بالواقع.

ذلك ما كنت أفكر فيه عندما ذكرني الرجل الإنجليزي الذي جلس أمامي في المطعم بقوانين أزيموف الثلاثة. وقد تحولت هذه القوانين الآن، بجانب التدابير الأخرى، إلى أول قاعدة قانونية أوروبية على الإطلاق، والتي قد تصبح أساس التشريعات المماثلة في جميع أنحاء العالم. إن علينا الاحتفاظ بالسيطرة على الروبوتات والذكاء الاصطناعي، لضمان أن الحقيقة وحقوق الإنسان يمكن أن تسود في المستقبل، بدلاً من أن تصبح خيالاً علمياً.

كلمات دالة:
  • FT

كتب الخيال العلمي تساعد في وضع أول قوانين الذكاء الاصطناعي

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock