اخر الاخبارالمال والاعمال

قاعات التداول التقليدية .. هل تتحول إلى متاحف؟

كانت التكنولوجيا والحداثة قد بدأت تغير هذه الصروح المالية حتى قبل حريق كوبنهاغن

كان ثمّة شيء خيالي مروّع بشأن ألسنة اللهب التي اجتاحت رباعية التنانين وذيولها الملتوية على شكل ناب كركدن البحر، في كوبنهاغن مؤخراً، مشهداً يذكرنا تقريباً بالفايكنغ. ورغم توقف التداول في عام 1974، فإن الأضرار التي لحقت بمبنى مذهل وغريب لا يسعها إلا أن تحمل أهمية رمزية.

لقد كان التاريخ متهاوناً قليلاً بصروحه المالية. فقبل بضع سنوات من بناء بورصة كوبنهاغن (المصممة بتأنٍ على الطراز الهولندي)، بنت شركة الهند الشرقية الهولندية في أمستردام بورصة خاصة بها، أول بورصة حديثة معترف بها، في عام 1611. كانت تمتد على نهر أمستل، وفي عام 1622، حاول الإسبان تفجيرها عن طريق تجديف قارب مليء بالبارود تحتها. ومع ذلك، واجهت باستمرار مشاكل هيكلية وتم هدمها في القرن الـ19. ودامت أول بورصة في لندن، التي يعود تاريخها إلى عام 1566 واستندت إلى تصميم ساحة مقوسة مماثل، لمدة قرن قبل أن تقع ضحية لحريق لندن الكبير.

كما أُطيح ببورصة شيكاغو الضخمة. فقد صُممت على يد لويس سوليفان (المخترع المؤثر لناطحات السحاب) ودانكمار أدلر في عام 1893، وكان هذا المعلم المزخرف بالكامل رمزاً لمكانة المدينة بوصفها أسرع المدن نمواً في العالم. ولكن في عام 1972، تم هدمها لإفساح المجال، وهو أمر مثير للسخرية بعض الشيء، لبناء ناطحة سحاب. والآن، تقع غرفة التجارة الأصلية ضمن حدود معهد شيكاغو للفنون الهادئة.

في حين نجت بورصة باريس (1811) بعد سنوات من الإهمال وأُعيد إحياؤها كمتحف، ويستضيف بهوها الفخم المجموعة الفنية لفرانسوا بينو. وكان المبنى بمثابة مصدر إلهام للبهو المستدير في لندن متمثلاً في بورصة الفحم (1849)، لكنه هدم لاحقاً لاستيعاب خطة لتوسيع الطرق في عام 1962. وكانت الفضيحة حاسمة لولادة حركة الحفاظ على التراث. ورغم ذلك، تبقى تنانينه الحديدية كنماذج على المعالم الحدودية لمدينة لندن. بينما تستضيف بورصة فيينا القديمة (1877) الآن مكاناً ساحراً لإقامة الحفلات الموسيقية، وهو مناسب تماماً للمدينة وله تأثير مثير للاهتمام على الصوتيات.

فقد كانت أسواق الأوراق المالية تلك ذات يوم أماكن صاخبة؛ تتصاعد وتتدفق داخلها الأصوات طوال اليوم. وعندما خططت بورصة لندن للانتقال إلى مبنى مخصص لها في سبعينيات القرن الماضي، تبين أن غرفة التداول الجديدة تتمتع بهدوء شديد، حيث كانت التشطيبات تمتص الصوت. ومع تراجع مكانة لندن مقارنة بنيويورك والأسواق الأخرى، خشت من أن يؤدي ذلك إلى فقدان أجوائها النابضة ونمطها الصاخب. لذا قدم المهندسون المعماريون مواد أكثر صلابة لتضخيم الصوت.

ومع ذلك، في غضون بضع سنوات من افتتاحها عام 1979، طغى الهدوء على القاعات بمجرد أن حلّ رفع القيود والتداول الإلكتروني محلّ المزايدة العلنية. واليوم، أصبحت قاعدة التداول بمثابة أثر، تبدو أكثر ملاءمة، مثل شيكاغو، داخل متحف أكثر من كونها مركزاً مالياً.

ويشكل الطابع المجرّد المتزايد للتداول في العصر الرقمي مشكلة لفن العمارة. فقد كانت الساحة المليئة بالثرثرة والتداول، كما كان الحال في مبنى كوبنهاغن المتفحم الآن أو قاعة كابيل كورت في لندن، تقدم مشهداً للأعمال التجارية أقرب إلى عمل استعراضي. الآن، يلتصق الموظفون بالشاشات. كما يمتلك المتداولون الكثير منها. فهم ليسوا بحاجة إلى طراز معماري خاص أو حتى مكاتب في بعض الأحيان. لقد انكمشت الطبيعة المكانية للتداول إلى جهاز حاسوب وكرسي مكتب، ومع ظهور التداول عالي التردد والخوارزمي، لا يحتاجون حتى إلى ذلك، فقط القرب من كابل للإنترنت.

وتمكنت نيويورك بطريقة ما من الحفاظ على قاعات التداول المألوفة، المستوحاة من باكورة ساحاتها مثل تلك الموجودة في أمستردام ولندن وكوبنهاغن. ولكن تسببت المضاربات العقارية في ظهور مشروعات سكنية فخمة مثل «ون وول ستريت»، وغالباً ما يبدو أن عدد الصحفيين وطواقم التلفزيون أكبر من عدد المتداولين في القاعات – وهم بمثابة تمثيل لنشاط التداول.

ويجب أن تتمتع أهم المباني المالية بالقدرة على البقاء، وربما التحول إلى حانات أو فنادق (على غرار ذا نيد في لندن)، ولكن النمط القديم اختفى. وربما يكون لحريق كوبنهاغن أهمية رمزية إضافة إلى كونه حدثاً كارثياً.

ناقد متخصص في التصميم والهندسة المعمارية لدى صحيفة فايننشال تايمز

كلمات دالة:
  • FT

قاعات التداول التقليدية .. هل تتحول إلى متاحف؟

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock