اخر الاخبارالمال والاعمال

عوائد السندات تنذر بنهاية الوضع الطبيعي الجديد

ft

يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بدقة بالموعد الذي ستبدأ فيه الأسواق بأن تعكس العوامل المؤثرة على الاقتصاد الكلي. وعلى حد قول الخبير الاقتصادي، روديغر دورنبوش: «تستغرق الأمور وقتاً أطول مما تعتقد لكي تحدث في عالم الاقتصاد، ثم تقع هذه الأمور على نحو أسرع مما ظننت»، لكن المستثمرين، عاجلاً أو آجلاً، سيواجهون تعديلات مهمة، إذ ستحتاج كل الأصول لإعادة التسعير بسبب انتهاء ثلاثة اتجاهات كبيرة.

لقد شهدت الأسواق، بعد الأزمة المالية العالمية، تحوّلاً نحو بيئة يسودها تضخم منخفض ومستقر. ونتيجة لهذا، هوت أسعار الفائدة إلى مستويات لم تسجلها منذ الحرب العالمية الثانية، وكان هذا هو «الوضع الطبيعي الجديد». واستغل صانعو السياسة ما بدا أنه «وجبة مجانية» بمواصلتهم دفع الفائدة إلى مستويات أقل وتحفيز الاقتصاد بتخفيضات ضريبية وتوسع في الإنفاق الحكومي.

لكن ليس بعد الآن! يتقلص هامش التحرك المالي عندما تتخطى الفائدة المعدل الممكن للنمو الاقتصادي، وهو ما يحدث الآن. ونتيجة لذلك، تنشأ مجموعة من ردود الفعل السلبية، مثل اضطرار الأسواق لاستيعاب إعادة تمويل الديون بمعدلات فائدة أعلى، ما يفاقم من عجز الموازنات، وتكون السياسة النقدية في هذه الحالة مقيدة. وتوقع المستثمرون فيما مضى أن يتدخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة بمجرد ظهور تهديدات على النمو، لكن مسؤولي البنوك المركزية غير قادرين على تخفيف الصدمات التي تواجه الاقتصاد الحقيقي أو اضطرابات الأسواق، مع تسجيل التضخم مستويات أعلى من المستهدف؛ وبذلك تكون حقبة تدخل الفيدرالي قد انتهت.

ليس ذلك فحسب، بل ويقترب عاملان هيكليان مواتيان من نهايتهما في الوقت ذاته؛ الأول هو أن «الحلم الصيني» للرئيس شي جين بينغ أنهى حقبة دامت أربعين عاماً انطوت على مبدأ «من الرائع أن تكون ثرياً». وستركز الصين في المستقبل على النمو الذي تقوده الدولة والرخاء العام والأمن القومي، وسيتباطأ النمو الصيني بعدما عزز النمو العالمي طيلة عقود، ونتيجة لذلك ستقل عملية إعادة تدوير احتياطات الصين المالية في الأسواق الدولية. ويُرجح أيضاً تلاشي الإسهام الصيني في خفض التضخم العالمي الذي شهدناه في العقود الأخيرة.

علاوة على ذلك، تتصاعد خطورة الأوضاع الجيوسياسية. يذكرنا ذلك بخروج فرانسيس فوكوياما بفكرة «نهاية التاريخ» في 1989، فقد خرج المعسكر الغربي فائزاً في الحرب الباردة، وكان ذلك بمثابة انتصار للديمقراطية الليبرالية، بيد أن النزاعات والتوترات الجيوسياسية عادت من جديد، ويتبدى ذلك في أوكرانيا وتايوان وإسرائيل. ومن شأن المشهد الجديد الذي يسود فيه تنافس جيوسياسي أكبر أن يفضي إلى تضخم أعلى وعجز أكبر في الموازنات. وهذه «النهايات الثلاث» واضحة للعيان، لكن تُرى، ما تداعياتها على المستثمرين؟

ويقدم التصاعد الكبير في أسعار الفائدة طويلة الأجل منذ منتصف العام الجاري دراسة حالة مفيدة في هذا الصدد، فقد شهدت علاوة الاستثمار طويل الأجل، والمقصود بها التعويض الذي يطلبه المستثمرون نظير شراء أصول أطول أجلاً، تراجعاً مستمراً خلال العقدين الماضيين، بل إنها تراجعت إلى النطاق السلبي في الأعوام الأخيرة. وكان الطلب على الأصول طويلة الأجل كبيراً إلى حد أن المستثمرين كانوا مستعدين للتخلي عن الحماية وإنفاق المال لقاء العائد.

وتقف وراء العلاوة السلبية للاستثمار طويل الأجل ثلاثة أسباب؛ الأول هو تسبب انخفاض التضخم وتراجع التقلبات التضخمية في أن تكون الديون طويلة الأجل جذابة، والثاني هو استمرار توسع الفيدرالي في جولات التيسير الكمي الذي أسفر عن ظهور مشترين كبار غير اقتصاديين للديون. وحذت بنوك مركزية أخرى حذو الفيدرالي، ما ضخّم من التأثير السلبي على العائدات. أما السبب الثالث، فهو أن عائدات السندات أدت إلى تحويط عوائد الأسهم؛ ما جعل الاحتفاظ بأصول خالية من المخاطر استثماراً جاذباً للمستثمرين الساعين وراء المخاطرة. وبدت السندات التحوط الأمثل للأسهم؛ لأن البنوك المركزية لطالما كانت تهرع إلى الإنقاذ، سواء بخفض الفائدة أو التيسير الكمي، كلما نشأ خطر ما على الاقتصاد.

ويعني عدم تدخل الفيدرالي أن الفائدة لن تنخفض إلى الصفر، وليس ثمة تعهدات بفوائد أقل في المستقبل، وبالطبع لن يقر المركزي تيسيراً كمياً لإنقاذ المستثمرين عند خسارتهم، وستقلل التكلفة الأعلى لرأس المال من الوقت الذي تصل فيه الشركات الناشئة إلى مرحلة تحقيق الربح. وقد تعكس مضاعفات تقييم مكرر الأرباح اتجاهها الصاعد مع مواجهة المستثمرين خسائر محتملة أكبر وأكثر تواتراً بفترات الركود الاقتصادي.

ومن شأن فوائد الرهن العقاري الأعلى أن تدفع بسوق الإسكان إلى حالة جمود عميقة؛ ما سيلقي بظلاله في نهاية المطاف على أسعار المنازل، وستواجه الحكومات ضغوطاً لخفض نسب العجز، وسيكون المجال أمامها محدوداً للاستثمار في المنافع العامة، مثل التحول الأخضر في الطاقة.

هذا «الوضع غير الطبيعي الجديد» سيتسم بتضخم أعلى وأكثر تقلباً، وأيضاً عودة إلى أسعار فائدة أعلى هيكلياً. وبأثر رجعي، سيبدو الوضع الطبيعي الجديد وكأنه فترة فريدة من نوعها شهدت أسعار فائدة منخفضة بالمعايير التاريخية بعد الأزمة المالية. ومستقبلاً، سيتعين على المستثمرين التعلم من جديد كيفية الاستثمار من دون شبكة أمان مالية أو نقدية.

*الكاتب هو كبير الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين لدى «بريفان هوارد»

كلمات دالة:
  • FT

عوائد السندات تنذر بنهاية الوضع الطبيعي الجديد

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock