اخر الاخبارالمال والاعمال

سعي بريطانيا لتحقيق النمو.. الأوقات العصيبة تتطلب تدابير قاسية

ft

الكاتب محرر مساهم في «فايننشال تايمز»، والرئيس التنفيذي للجمعية الملكية للفنون، وهو أيضاً كبير خبراء الاقتصاد السابق لدى بنك إنجلترا

تتطلب الأوقات العصيبة تدابير قاسية، لذلك جاء إعلان جيريمي هانت، وزير مالية المملكة المتحدة، وهو سياسي جاد، عن موازنة جادة منذ أيام قليلة. فقد دعمت الموازنة العمل الرامي إلى تحقيق استقرار المالية العامة بعدما تسلّم هانت دفة الأمور في 2022، وذلك في خضم الاضطرابات التي نجمت عن الموازنة «المُصغّرة» التي قدمتها ليز تراس وكواسي كوارتنغ. ومع ذلك، فقد تجاهلت سوق السندات الموازنة، ولم تنتشِ حبوراً بها.

وقد تجلت مكافأة هذه الإدارة في التوقعات التي أعلنها مكتب مسؤولية الموازنة هذا الأسبوع. فبعد توقفه طيلة عامين تقريباً، يرجح المكتب انتعاش النمو على نحو متواضع هذا العام وفي العام المقبل. وبعد انخفاضها بحدة، يُتوقع كذلك ارتفاع دخل الأسر خلال العامين الحالي والمقبل. وبعد تحليقهما، تنبأ المكتب بتراجع العجز الحكومي والديون على مدى خمسة أعوام.

وإذا ما طُرِح الأمر باعتباره عقداً آجلاً منذ خمسة عشر شهراً، فأعتقد بأن غالبية الناس كانوا ليشترونه. وبجانب انخفاض التضخم إلى ما دون مُستهدفه البالغ 2% خلال الشهرين المقبلين، فإن هذه التوقعات تضفي درجة أكبر من المعقولية على ما تقوله الحكومة من أن خطتها الاقتصادية تؤتي أُكُلها. ليس ذلك فحسب، بل إنها تمنح درجة أكبر من المصداقية للادعاء السياسي للحكومة المتمثل في أن فوز حزب معارض بالانتخابات سيعرّض هذا الاستقرار الجديد لخطر التدمير.

ومع ذلك، يظل السؤال الأبرز الذي ساد قبل إعلان الموازنة من دون إجابة. ففي ضوء البداية الضعيفة لهذه الحكومة، هل يكون التعافي المعتدل لماليات الدولة وآفاق النمو جيداً بما يكفي من الناحيتين الاقتصادية والسياسية؟ وهل كانت تدابير الاقتصاد الكلي هذه جادة في مثل هذه الأوقات العصيبة؟

وعادة ما تكون الموازنات مناسبات متصنعة يقلل فيها وزراء المالية من التوقعات، ثم يتخطونها في اليوم ذاته. فقد ظهرت الأرانب البيضاء من القبعات العالية، بعدما كانت فارغة قبل أيام مضت. وقد اتبع هانت جزءاً من هذا السيناريو، لكن دون الثاني، إذ احتوت الموازنة على عدد أقل من الأرانب وعلى نحو أصغر مما أستطيع تذكره.

يمكن تطبيق اختبار سهل من أجل تقييم ما إذا كانت الموازنة تغير مسار الاقتصاد الكلي أم لا، إذ إنه لو تكلّف أي من التدابير ما يقل عن ملياري أو ثلاثة مليارات جنيه إسترليني على سبيل المثال، أو ما يقارب 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، فلا يمكن له أن يغير من نصاب الأمور. وعلى هذا الأساس، فقط ما يمكن أن يغير المسار هو تقليل مساهمات التأمين الوطني بنقطتين مئويتين، وربما الخطة الجديدة لإنتاجية القطاع العام.

لكن فوائد هذه التدابير متواضعة، استناداً إلى توقعات مكتب مسؤولية الموازنة، إذ يتوقع مكتب مسؤولية الموازنة اجتذاب 200,000 شخص من جديد إلى القوى العاملة وإضافة 0.4 نقطة مئوية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي زيادة معتدلة، بفضل الخفض المُجمع بقيمة 4 نقاط مئوية لمساهمات التأمين الوطني وفق الموازنة وكذلك بيان الخريف السابق معاً.

أولاً، يعوّض ازدياد العبء الضريبي الإجمالي تأثيرات هذه المحفزات، ما يؤدي إلى تغير طفيف للغاية بإجمالي التوظيف، بحسب مكتب مسؤولية الموازنة.

ثانياً، تفترض هذه التقديرات مرونة ضريبية هامشية عالية للمعروض من العمالة. ومع ذلك، تجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من العمالة غير النشطة في المملكة المتحدة، ويبلغ قوامهم 8 ملايين، ليس بإمكانهم العمل لأسباب، إما لظروف صحية سيئة أو بسبب المهارات غير الكافية. أما موازنة هانت، فلم تقدم أي شيء يُذكر للتخفيف من هذه العوائق الهيكلية.

ويبدو أن إنتاجية القطاع العام انخفضت في عدد من أقسام الحكومة البريطانية إبان الجائحة، وضَعُفَت على مدى أطول. وهي مُهيأة للانتعاش، بما في ذلك عن طريق الاستخدام المُعزز للتطور الرقمي والذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، تنعكس كل نقطة مئوية من مكاسب إنتاجية القطاع العام على هيئة توفير خدمات عامة بمستويات أفضل من الزيادة المُتوقعة وقدرها 1% سنوياً في المتوسط بالفترة التالية للانتخابات، وهي نسبة غير معقولة إلى حد كبير.

لكن هل يمكن للحكومة تحقيق مكاسب في الإنتاجية بما يصل إلى 2% بموجب هذا الجدول الزمني؟ يُعد سجل أنظمة تكنولوجيا المعلومات المعززة للإنتاجية في الحكومة ضعيفاً، وهنا يجب التذكير بالبريد الملكي. وفي مقابل كل زيادة غير متحققة في الإنتاجية، تصبح توقعات الإنفاق الحكومي بعد الانتخابات ضرباً من «الخيال المالي» الذي لن يتحقق.

وبموجب توقعات مكتب مسؤولية الموازنة، سينخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد والدخل الحقيقي للأسر بنسبة 1% أو أكثر بنهاية أجل البرلمان الحالي عمّا كانا عليه في البداية. أما العبء الضريبي كنسبة من الاقتصاد، فسيكون أعلى بمقدار 3 نقاط مئوية. وبذلك، سيواصل مؤشر النمو، الذي لم تؤثّر عليه الموازنة، الإشارة إلى ركود قريب.

لذلك، كانت التدابير التي احتوت عليها الموازنة ذات تأثير هامشي على الاقتصاد الكلي لسبب بسيط، هو القيود المالية التي فرضها هانت على نفسه. ويبدو انخفاض أوجه العجز والديون محموداً، لكن بالنسبة لاقتصاد المملكة المتحدة المتعطش للاستثمار، فإن القواعد المالية التي تفشل في حماية الاستثمار تُلحق ضرراً بصحة الاقتصاد على المدى المتوسط، وكذلك المالية العامة بدورها. وبذلك، فإن القواعد المالية الحالية مثبطة لذاتها وفق شروطها هي نفسها.

لقد رمت هذه القواعد إلى تعزيز الاستثمار لإمكانيات النمو في المملكة المتحدة، وهو ما لم يحدث هذا الأسبوع. فعلى صعيد الإسكان، تشيّد المملكة المتحدة نصف عدد المنازل التي تحتاجها. وبالنسبة للاستثمار العام، تتجه البلاد نحو قاع قوائم الترتيب الدولي. أما إنفاق الحكومات المحلية، فالمجالس المحلية آخذة في التعثر. وفيما يتعلق بالمهارات والتدريب، تعاني غالبية الشركات نقصاً بالموظفين لديها. هذه هي محركات الاقتصاد، ولم يعمل أي منها هذا الأسبوع.

علينا أن نكون شاكرين لنعمة الاستقرار الصغيرة هذه. لكن النعم الصغيرة لن تصلح الموارد المالية المُستنزفة للبلاد والتصنيفات الكارثية للحكومة في استطلاعات الرأي. عموماً، لم تكن هذه موازنة متمتعة بأهدافها الخاصة، بل كانت مباراة انتهت بتعادل سلبي. ويظل السعي وراء نمو المملكة المتحدة على هذا المنوال. لذلك، ليست هذه سوى ذروة الحماقة المالية.

كلمات دالة:
  • FT

سعي بريطانيا لتحقيق النمو.. الأوقات العصيبة تتطلب تدابير قاسية

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock