اخر الاخبارالمال والاعمال

جفاف الأمازون .. مخاوف كبيرة من نقاط التحول المناخية

ft

برايان هاريس – ستيف بيرنارد – كريس كامبل

نهر ريو نيجرو أو «النهر الأسود» هو أحد أكبر الأنهار في العالم وأحد الروافد الرئيسية لنهر الأمازون، كما يعد أحد ركائز النظام البيئي للغابات المطيرة، وهو عنصر محوري لاستقرار المناخ العالمي. لكن ثمة أجزاء شاسعة من المجري المائي باتت جافة حالياً.

لأسابيع عدة، ضربت المنطقة موجة جفاف غير مسبوقة، لتنخفض المياه في الشرايين الرئيسية في الأمازون إلى مستويات متراجعة قياسية، ما يعني دماراً للمجتمعات المحلية والحياة البرية الفريدة في المنطقة الأحيائية. ويصل عدد الضحايا المباشرين إلى ما يزيد على نصف مليون شخص في ولاية أمازوناس البرازيلية، يعانون من أزمة إنسانية تتكشف جوانبها يوماً بعد يوم؛ خصوصاً أن وسائل النقل النهرية في المنطقة تختنق لنقص المياه.

أيضاً، ثمة تداعيات بعيدة المدى للجفاف على مناخ كوكب الأرض كله، حيث تقتل الحرارة الشديدة ونقص المياه الأشجار وتشعل الحرائق، لتبدأ الغابة في إطلاق مخزوناتها الضخمة من ثاني أكسيد الكربون، الذي يغذي عملية الاحتباس الحراري.

ويقول العلماء إن هذه العملية كانت في الأساس عاملاً مهماً وراء الجفاف. ويوضح فيليب فيرنسايد، العالم في المعهد الوطني لأبحاث الأمازون في «ماناوس» قائلاً: «إنها بداية حلقة مفرغة ستدمر الغابات.

وبسبب هذا المخزون الضخم من الكربون في الغابات، تقع منطقة الأمازون في القلب من قضية الاحتباس الحراري، التي باتت تفلت من قبضة البشر. وإذا خرج جزء ضئيل، فإنه سيكون القشة التي ستقصم ظهر البعير. وثمة خطر متزايد من حدوث ذلك بالفعل.

لقد انخفض منسوب مياه النهر في ميناء ماناوس الذي يقع في قلب الغابات المطيرة، إلى 12.7 متراً أي أقل من المتوسط التاريخي لشهر أكتوبر بأكثر من 6 أمتار، تاركاً أحواض السفن جافة قاحلة، فيما تفقد أنهار المنطقة الكثير من دورها الوظيفي في مجال النقل. وأعلنت أكثر من 60 بلدية في أمازوناس، الولاية التي تضم مدينة ماناوس، حالة الطوارئ رسمياً، لتسارع الحكومة إلى توفير الإمدادات الأساسية بما ذلك الغذاء والماء والأدوية».

وقال فريدسون فارياس الذي يبيع تذاكر القوارب في ميناء ماناوس: «الأنهار هي طرقنا، لذلك أصبح من المستحيل الذهاب إلى أي مكان». وقدر فارياس أن الإقبال قد انخفض بنسبة 70 في المئة، وتابع: «يوجد أجزاء من النهر جافة بنسبة 95 في المئة. طوال 100 عام لم نشهد شيئاً كهذا قط».

السبب المباشر للجفاف هو مزيج من ظاهرة النينو المناخية الجارية، والتي تسخن سطح المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، مع وجود بقعة غير معتادة من المياه الدافئة في المحيط الأطلسي فوق خط الاستواء. وحالت تلك الظاهرتان دون تشكل السحب، وتسببتا في انخفاض سقوط الأمطار بشكل ملحوظ. وفي «بليم»، وهي مدينة تقع في شرق الأمازون، بلغ معدل هطول الأمطار في سبتمبر ربع المستويات المعتادة. وإضافة إلى نهر ريو نيغرو، الذي يعد أحد أكبر الأنهار في العالم من حيث مستويات التصريف، فقد وصلت أنهار الأمازون وسوليمويس وماديرا إلى مستويات دنيا قياسية وجفت أجزاء منها. ويقول الخبراء إن قسوة الأحداث في المحيط الهادئ والأطلسي، والتي في ذاتها ليست ناجمة عن نشاط بشري، قد تفاقمت بسبب تغير المناخ.

وقال تيم لينتون، رئيس قسم علوم تغير المناخ ونظام الأرض في جامعة إكيستر: «من الواضح أن ظاهرة الاحتباس الحراري تساهم في هذا الجفاف غير الاعتيادي. وفاقم الأمر الدفء في المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، حيث تشكل ظاهرة النينو تجمعاً معتاداً للمياه الدافئة. كما أسهم في ارتفاع غير مسبوق في درجات حرارة سطح البحر في شمال الأطلسي. ويساهم كلا النمطين بالمحيط في الجفاف الحالي».

وزاد الارتفاع الاستثنائي لدرجات الحرارة من تعقيد الوضع. وفي العاشر من أكتوبر أفاد المعهد الوطني للأرصاد الجوية بتسجيل درجة حرارة 40 درجة مئوية في ماناوس، وهي الأعلى منذ بدء التسجيل قبل ما يقرب من القرن. وخلقت الحرارة ونقص الأمطار ظروفاً مثالية للحرائق، والتي تؤدي، مثلها مثل الجفاف، إلى قتل الأشجار، وتدمير النظام البيئي، والتسبب في إطلاق المزيد من الكربون في الغلاف الجوي.

ووجدت دراسة بريطانية – برازيلية أجريت عام 2021 أن الجفاف والحرائق الناجمة عن ظاهرة النينو في عامي 2016/2015 تسببت في هلاك أكثر من 2.5 مليون شجرة وكرمة خشبية وإطلاق ما يقارب 500 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وكان الشهر الماضي الأسوأ فيما يتعلق بالحرائق في ولاية الأمازون منذ بدء تسجيل البيانات قبل 25 عاماً. ووفقاً لحكومة الولاية فقد تم الإبلاغ عن أكثر من 3400 حريق.

وأثارت هذه الأحداث المخاوف من أن بعض أجزاء أكبر الغابات المطيرة في العالم تندفع نحو ما يسمى بـ «نقاط التحول»، حيث إن الموت الجماعي للأشجار يعني أن الغابة المطيرة لم تعد قادرة على الحفاظ على نظامها البيئي لإعادة تدوير المياه. وسيؤدي ذلك إلى المزيد من الجفاف، والمزيد من موت الأشجار، وربما تقلبات مناخية حادة في أمريكا اللاتينية وحول العالم. وقال مارسيو أستريني، المدير التنفيذي لمرصد المناخ، وهي منظمة برازيلية غير هادفة للربح: «الغابة تنهار. وهذا لا يحدث بشكل كامل، أو دفعة واحدة لكن في بعض المناطق تشهد بالفعل نقاط الانحراف هذه». وإثر تفشي أنشطة إزالة الغابات في السنوات الأخيرة بدأت أجزاء عدة من الأمازون، ولا سيما في القسم الجنوبي الشرقي في ولاية بارا، تنبعث منها كميات من الكربون أكثر مما تمتصه، وذلك وفقاً لدراسات عدة. وقال فيرنسايد: «يمكنك توقع حدوث المزيد من الجفاف مثل هذا. وهو ما تبينه النماذج».

وفي أحواض السفن بميناء ماناوس، كان تأثير الجفاف صادماً، فالنهر الذي يتراجع بسرعة حل محله ضفاف رملية مليئة بالقمامة. وقد حذر مسؤولو الصحة من زيادة خطر الإصابة بالأمراض، بما في ذلك الالتهاب الكبدي الوبائي (أ) والكوليرا نتيجة إمدادات المياه الملوثة. وخارج المدينة مباشرة، حيث يلتقي نهر ريو نيغرو الأسود مع نهر سوليمويس البني الداكن ليشكلان نهر الأمازون، كشف الجفاف عن نتوء صخري به وجوه بشرية محفورة في الحجر. ويعتقد علماء الآثار أن هذه الرسومات قد يصل عمرها إلى 2000 سنة.

وبعد تقليص حركة مغادرة السفن، كان الرصيف العائم في ريو نيغرو مكتظاً بالبضائع، بما في ذلك من دراجات هوندا نارية، ومنتجات تنظيف ملابس وحبوب. ويعتبر الميناء مركزاً لتوفير الإمدادات للقرى النائية الواقعة في أعماق الغابة المطيرة. وقالت مارلين بونيليا التي كانت تجلس على رصيف الميناء تحاول بيع الحلي الرخيصة لعدد ضئيل من القادمين: «نحن محاصرون في المدينة. إننا نعاني». من جطانبه، قال إبيدو سانتوس الذي كان يشرف على تحميل الزوارق النهرية: «لقد كان الوضع سيئاً من قبل، لكنه لم يكن أبداً بهذا السوء».

كلمات دالة:
  • FT

جفاف الأمازون .. مخاوف كبيرة من نقاط التحول المناخية

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock