اخر الاخبارالمال والاعمال

«تيك توك» مصدر إزعاج متزايد لصانعي السياسة الأمريكيين

ft

يتردد في أروقة عالم رأس المال الخاص صدى قصص مثيرة بشأن شركة التكنولوجيا الصينية «بايت دانس»، المالكة لمنصة «تيك توك» للفيديوهات القصيرة.

الأمر لا يتعلق فحسب باتهامات بميل مستخدمي «تيك توك» لتأييد الفلسطينيين، ولا أن منصة التواصل الاجتماعي تضر بالصحة النفسية للمراهقين. لكن تكمن المشكلة في الميزانية العمومية لـ «بايت دانس»، بعدما كشف خبراء ماليون على صلة قريبة بالشركة لـ «فايننشال تايمز»، أن لديها سيولة حرة تتجاوز 50 مليار دولار، منها 5 مليارات دولار مخصصة لعمليات إعادة الشراء، وهي احتمالية من شأنها إغراء بعض المستثمرين ببيع أسهم الشركة، بالنظر إلى ازدياد اشتعال الموقف الجيوسياسي.

يتعين على خبراء السياسة الخارجية والمستثمرين، على حد سواء، متابعة هذا عن كثب. وبينما تلوح 2024 في الأفق، أصبحت «بايت دانس» ورقة اختبار مهمة للعلاقات بين واشنطن وبكين، والمدى الذي تذهب إليه في تأجيج حرب تكنولوجية، وتجارية، وسيبرانية بين أمريكا، والصين، وكذلك نزاعات في أسواق رأس المال.

يعود ذلك إلى أن هيكل ملكية «بايت دانس» مدهش للغاية. فغالباً ما توصف المجموعة بأنها «صينية»، لنشأة مؤسسها، تشانغ ييمينغ، في البر الصيني، ولأن مسؤولون أمريكيون يصفونه بأنه ناطق بلسان الحزب الشيوعي الصيني، لكن نسبة 60 % من المساهمين في الشركة «دوليون»، ومعظمهم أمريكيون.

وتشير شهادة أمام الكونغرس إلى أن المساهمين في المجموعة يشملون صناديق أسهم، مثل «بلاك روك» و«فيدليتي»، اللتين تحتفظان بحصص في المجموعة كجزء من محافظ الأسواق الناشئة. فضلاً عن ذلك، تمتلك صناديق رأس مال مغامر، مثل «كواتيو» و«جنرال أتلانتيك»، و«سوفت بنك» و«سيكويا» و«كيه كيه آر»، و«سسكيوهانا» حصصاً كبيرة، ولهم ممثلون في مجلس الإدارة، مثل بيل فورد من «أتلانتيك».

المشكلة تكمن في أن قطاعات من الكونغرس ومؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، تنظر على نحو متزايد إلى المنصة باعتبارها أداة صينية للتلاعب بعقول الأمريكيين، سواء بطريقة مباشرة أم عبر إثارة المعارضة. وظهرت علامة تشير لهذا الأمر الشهر الماضي، عندما اتهمت نيكي هالي، المرشحة الرئاسية الجمهورية، المنصة، بالتحيز للفلسطينيين، مستندة إلى بحث لأنتوني غولدبلوم، المستثمر الأمريكي في قطاع التكنولوجيا.

وتأتي مجموعة أخرى من البيانات الأكثر إثارة للدهشة من دراسة جديدة أجراها معهد «نتوورك كونتاجيون ريسيرش إنستيتيوت» بالاشتراك مع جامعة «روتجرز». وتظهر بيانات أخرى لباحثين على الإنترنت، أن المنشورات المناصرة لفلسطين اجتذبت مشاهدات كثيرة للغاية مقارنة بالمؤيدة لإسرائيل، وهي نتيجة تردد صداها في بحث أجرته روبوتات بصحيفة «وول ستريت جورنال».

لكن المشكلة الأكثر استفزازاً للتفكير هي المقارنة بين «تيك توك» و«إنستغرام»، فقد وجد معهد «نتوورك كونتاجيون ريسيرش إنستيتيوت» وجامعة «روتجرز» أن كلا المنصتين تجتذبان جمهوراً مشابهاً، لكن المنشورات المؤيدة لإسرائيل أعلى بثلاثة أضعاف على «إنستغرام» مقارنة بـ«تيك توك»، وهي نتيجة معدلة وفقاً لاختلاف أحجام المنصتين. يشار أيضاً إلى أن المنشورات المؤيدة لأوكرانيا أعلى على نحو ملحوظ على «إنستغرام». لكن الميل أكبر بكثير في الموضوعات ذات الحساسية داخل الصين، مثل الأويغور والتبت وتايوان، كما أن المحتوى المؤيد لكشمير أكثر انتشاراً على «إنستغرام» مقارنة بـ «تيك توك» بمقدار 600 مرة.

وردت «تيك توك» بأن «هذا التقرير يستخدم منهجية معيبة للوصول إلى استنتاج خاطئ محدد مسبقاً»، وتصر على تفاهة المقارنة بين الوسوم على المنصات، بالنظر إلى اختلاف السياق. وعلى سبيل المثال، ربما يكون اختلال التوازن فيما يتعلق بكشمير نابعاً من حظر الهند لمنصة «تيك توك»، وهو ما لا يسري على «إنستغرام». وعلى نحو مماثل، فإن اختلال التوازن فيما يتعلق بالمحتوى الصيني يجب موازنته مع حقيقة أن منصة «بايت دانس» الناطقة بالصينية، وتدعى «دويين»، هي المستخدمة داخل الصين، وليست «تيك توك».

أما فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بالشرق الأوسط، فأكدت «تيك توك» على محاولتها الرد على الجمهور الغاضب بإزالة 1.3 مليون فيديو يحث على الكراهية. وحول سبب انتشار مقاطع فيديو مؤيدة للفلسطينيين، يقول مسؤولون لدى «تيك توك» إن الأمر ينطوي على علاقة ارتباط، وليست سببية، فالشباب الأمريكيون أكثر تأييداً للفلسطينيين من الأجيال الأكبر سناً على نحو كبير.

وتتمتع هذه الحجة بقدر من الحقيقة، فما تفعله «تيك توك»، شأنها شأن منصات تواصل اجتماعي أخرى، هو إمساكها بمرآة تعكس صورة المجتمع الأمريكي. وإذا لم يعجب ذلك النقاد، فإن هذا يعود جزئياً إلى نفورهم مما يرونه أمام أعينهم.

مثل هذه الحجة لن تكون مطمئنة لمن يتبنون الآراء المتشددة إزاء الصين. ويصر هؤلاء على أن بكين تستخدم المفهوم الأمريكي لحرية التعبير ضدها، بتلاعبها بالكود الذي يقرر المحتوى المروج له. ورغم استحالة أن يقرر الغرباء ما إن كان ذلك صحيحاً، فالواضح أن بعض الساسة والمسؤولين الأمريكيين يرغبون إما في حظر صريح، أو وصول الحكومة الأمريكية إلى كود «تيك توك».

إنني أشك في فرض الحظر، فالمنصة تحظى بشعبية كبيرة، ومن شأن هذا التسبب في رد فعل عنيف من جانب المصوتين في الانتخابات. وتشير «بايت دانس» إلى أن «مزودتها الموثوقة للتكنولوجيا من الطرف الثالث» (وهي أوراكل الأمريكية)، لديها بالفعل «إمكانية الوصول إلى الكود الذي يحرك المحتوى». لكن الكونغرس، أو البيت الأبيض، قد يدفعان المستثمرين الأمريكيين إلى التخارج من المنصة، بالنظر إلى الإجراءات الصارمة الأوسع نطاقاً ضد الاستثمارات الأمريكية في الصين، ووسط الحديث عن عمليات إعادة شراء.

يقلل بعض كبار المسؤولين لدى «بايت دانس» من هذه الاحتمالية، لكن يعتقد بعض الخبراء الماليين الآخرين أن عمليات إعادة الشراء تلوح في الأفق. لكن إذا اضطر المستثمرون الأمريكيون إلى التخارج بسبب المخاوف السياسية، فسيكون ذلك بمثابة إشارة إضافية إلى أننا نعيش في عالم أكثر يزداد انقساماً يوماً بعد يوم. فهل ربما يتعين على بعض المستثمرين من الشباب تأسيس «تيك توك» جديدة، وتتبع المشاهدات؟!

كلمات دالة:
  • FT

«تيك توك» مصدر إزعاج متزايد لصانعي السياسة الأمريكيين

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock