اخر الاخبارالمال والاعمال

تقليص الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة ليس أمراً مسلماً به

ft

إذا كنت تقرأ هذه المقالة، فتهانينا لك، فيبدو أنك ربحت نوعاً من جوائز اليانصيب، إذ يعيش حوالي 700 مليون إنسان حول العالم على أقل من 2.15 دولار في اليوم، وهو خط الفقر الذي حدده البنك الدولي، مع العلم أن ذلك أقل من نصف سعر فنجان «لاتيه الكركم» في العاصمة واشنطن.

لكن كيف يمكن تضييق الهوة بين البلدان الفقيرة والغنية؟ لقد شغل هذا السؤال أجيالاً من الاقتصاديين العظام، بمن فيهم الراحل روبرت سولو، الحائز على جائزة نوبل، والذي توفي في 21 ديسمبر 2023. وقال مايكل كريمر من جامعة شيكاغو، وهو أيضاً حائز على جائزة نوبل، إن نموذج النمو الذي طوره سولو «لا يزال يتمتع ببعد النظر والملاءمة الوثيقة للواقع». فقط لو كان من السهل تحديد التقارب الذي تنبأ به.

كانت حياة سولو مدهشة، حيث نشأ في فترة الكساد، وترك دراسته مؤقتاً للتجسس على الاتصالات النازية. وعاصر اقتصادات أوروبا وهي تتعافى بسرعة في العقد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. وحسب تعبيره، كان سؤال: لماذا تنمو بعض البلدان أسرع من غيرها هو محور الحديث.

وأصبح النموذج الذي كتبه تأسيسياً؛ وما زالت كتبه تدرس حتى اليوم. كانت تنبؤاته لافتة للنظر. ابدأ ببلدين لديهما معدلات الادخار نفسها، ومعدلات نمو السكان، وإمكانيات الوصول إلى التكنولوجيا، ثم افترض أن عوائد الاستثمار تقل كلما حصلت على الكثير منها. وبالاستعانة بالقليل من علم الجبر، يمكن للمرء إظهار أن البلدان التي تبدأ فقيرة يجب أن تنمو بشكل أسرع من نظيراتها الأكثر ثراءً.

كانت فكرة «التقارب غير المشروط» فكرة جذابة ومتفائلة. لكنها كانت أيضاً حقل ألغام إحصائي. ويبدو أن دراسة أجريت عام 1986 وجدت أدلة لدى مجموعة من 16 دولة غنية. ولكن كما يصف الاقتصادي ديبراج راي، سيكون من السهل ملاحظة التقارب نحو النجومية بين فريق كرة سلة من الطراز الأول. ولكن الاستنتاج بأن مجموعة عشوائية من الراغبين في النجاح ستتجه نحو الطبقة العليا، فستكون تلك بمثابة قفزة كبيرة جداً.

أدت دراسات الأرقام على نطاق أوسع إلى تخلي الاقتصاديين عن فكرة التقارب غير المشروط. ومن المحبط أنه على مدى قرون، لم يكن مرجحاً نمو الدول الفقيرة بسرعة أكبر من الدول الغنية. ولم يصمد التقارب (المشروط) إلا عندما أخذت الاختلافات بين الدول، في عوامل مثل: نمو السكان، أو معدلات الاستثمار في الحسبان.

ثم حدث شيء استثنائي. فقد بدأت الدول الفقيرة، في منتصف التسعينات، تشهد نمواً أعلى نسبياً مقارنة بالدول الغنية، وكان هذا النمو أقل تقلباً وأكثر استمرارية. وكان ذلك الاتجاه واسع النطاق، ولم يكن مدفوعاً بدولة منفردة مثل الصين. وقد تم نشر دراسة في عام 2021 تطلق على هذا الأمر اسم «العصر الجديد للتقارب غير المشروط».

وهناك أيضاً دراسة مختلفة نشرت في عام 2021، أجراها كريمر وجاك ويليس من جامعة كولومبيا ويانغ يو من جامعة هونغ كونغ، حيث وجد الباحثون أن التغيير تزامن مع تزايد تشابه الدول في العديد من النواحي الأخرى أيضاً، بما في ذلك معدلات نمو السكان والاستثمار والإنفاق الحكومي.

رغم أن المؤلفين كانوا حريصين على الإشارة إلى أنه لم يكن واضحاً ما الذي يسبب ماذا، فمن الممكن أن تكون السياسات المتشابهة بشكل متزايد قد ساعدت الدول الفقيرة على التقارب مع الدول الغنية. ويقول ويليس إن القبول بهذه الفكرة، يقدم أساساً للتفاؤل. وهو ما يشير إلى أن التاريخ ليس قدراً، وأن السلبيات العميقة يمكن التغلب عليها.

وللأسف، قد يكون هذا العصر الذهبي الجديد قد انتهى بالفعل، حيث تؤكد أحدث البيانات الصادرة من البنك الدولي أنه خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، انخفض التباين في دخل الفرد في مجموعة متسقة من 204 دول. لكن بدءاً من منتصف العقد الثاني من هذه الألفية، استقر الوضع، وهو اتجاه لم تعكره جائحة كورونا إلا مؤقتاً.

وعند قياس التقارب بطريقة مختلفة، نجد أنه في العقدين الأول والثاني، نمت الدول الفقيرة بشكل أسرع من الدول الغنية. لكن بدءاً من عام 2015، كان دخل الفرد في الأساس غير مترابط مع النمو حتى عام 2022. وبين عامي 2019 و2022، شهدت الدول الفقيرة نمواً أبطأ من نظيراتها الغنية.

وسيكون من المريح التشبث بأمل التقارب غير المشروط. وربما تكثر الاتجاهات الحديثة الكلام حول غرابة جائحة فيروس كوفيد 19 بدلاً من الحديث عن العصر الجديد. وقد تكون استجابات الدول الغنية المالية القوية ساعدت في تحقيق التعافي أسرع، وهو تأثير سيتلاشى مع مرور الوقت.

ويقدم جاريد روبن من جامعة تشابمان نظرة أكثر تشاؤماً، وهي أن التقارب في أوائل الألفية الثانية كان مجرد تحول لمرة واحدة للعمال إلى سوق العمل العالمية. بمعنى آخر، هو عائد للعولمة السريع. في الوقت ذاته، ونظراً لتغير المناخ، وارتفاع أسعار الفائدة وهشاشة المؤسسات الديمقراطية، تبدو المؤسسات، مثلها مثل البنك الدولي، متشائمة بشأن التنمية.

لقد قال سولو ذات مرة إنه عند مناقشة النمو «الأسئلة المطروحة أكثر من إجاباتها». ولا يزال هذا صحيحاً. فنحن لا نعرف بالضبط كيفية التأكد من لحاق الدول الفقيرة بالدول الغنية. لكننا نعلم أيضاً أنه لا يوجد شيء تلقائي في الطريق لتحقيق هذا الأمر.

كلمات دالة:
  • FT

تقليص الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة ليس أمراً مسلماً به

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock