اخر الاخبارالمال والاعمال

تجارة أرصدة الكربون في حاجة لإصلاحات كبيرة

ft

ثمّة حاجة ملحة للبلدان النامية المُثقلة بالديون إلى كل الأموال التي يُمكن الحصول عليها؛ لدعم احتياجاتها ومتطلباتها ذات الصلة بالتحوّل المناخي والتكيُّف. ومع تأخُر الاقتصادات المُتقدمة في الوفاء بتعهداتها التمويلية، فإن الحلول المُعتمدة على السوق توفر مصدراً إضافياً للتمويل.

لطالما كانت أرصدة الكربون فكرة واعدة، حيث تعد أرصدة الكربون بمنزلة أداة استثمارية قابلة للتداول يُمكن الحصول عليها عند إزالة طن من الكربون من الغلاف الجوي، أو تجنب انبعاثه، وبوجود نطاقات واسعة من التنوع البيولوجي الذي يلتقط الكربون في ما يُسمى بالجنوب العالمي، يُصبح لدى العالم النامي العرض، فيما الحكومات والشركات الغربية التي تسعى إلى مبادلة انبعاثاتها تُمثل الطلب. ومن ثم يوَجِه المشترون الأموال نحو البلدان الأشد فقراً، ذات الانبعاثات الكربونية الأقل، واحتياجات التمويل الأعلى.

لكن ما يبدو فكرة جيدة من الناحية النظرية، لم ينجح بشكلٍ جيد على الصعيد العملي، فقد تلقت التجارة العالمية بأسواق الكربون الطوعية، والتي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار، ضربة قوية؛ بسبب مزاعم الغسل الأخضر، كما انخفضت الأسعار من ذروتها التي بلغتها في العام الماضي. وتعتبر السوق مجانية للجميع، لكنها تتصف بمعايير مشبوهة وشفافية محدودة. وقد تكون مُكافأة إصلاح هذه السوق هائلة، حيث تقول بلومبيرغ إن إي إف للأبحاث، إنه مع تطبيق قواعد صحيحة قد تصل قيمة سوق المبادلة إلى تريليون دولار.

ويُعدّ رفع فعالية المشاريع الممولة عبر الأرصدة أمراً أساسياً. وكان بالإمكان القيام بعض المُبادرات على أي حال في غياب إيرادات الأرصدة. بينما تعتبر مشاريع أخرى، مثل حماية الغابات من التصحر المستقبلي الافتراضي، أو التبكير بإيقاف تشغيل محطة توليد كهرباء من الفحم، قاصرة من ناحية المفهوم.

وقد تعرضت هيئات الاعتماد المستقلة لانتقادات كبيرة؛ بسبب تقديرها المفرط للمكاسب المناخية. كما تم التشكيك في تأثيرها على التنمية الاقتصادية للدول الأشد فقراً. فالدول الأغنى لديها حافز لاكتناز الأراضي التي لديها إمكانية تعويض الكربون. وفي بعض الأحيان، لا تحصل الحكومات والمجتمعات المحلية سوى على حصة صغيرة من عائدات مبيعات هذه المشاريع، بينما يحصُل وسطاء القطاع الخاص على حصة كبيرة. ويُطلِق البعض على ذلك «استعمار الكربون». كما يمكن لهذا النهج خلق حوافز مشوهة للدول لزيادة بصمتها الكربونية من أجل إطلاق مشاريع جديدة.

وتسمح المادة 6 من اتفاق باريس عام 2015 للبلدان بتداول أرصدة الكربون لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات المنصوص عليها في مساهماتها المُحددة وطنياً. وبالفعل يهدف النظام إلى تجنب الاحتساب المزدوج، حيث يُحتسب مشروع ثنائي من كلا الدولتين كمساهمة تعويضية في تحقيق أهدافهما. ولكن حتى المبادرات التي تدخل في إطار النظام الأُممي لا توفر ضماناً للجودة.

إن أسواق الكربون الطوعية ليست حلاً سحرياً. ولا ينبغي لها أن تصرف اهتمام الحكومات والشركات عن خفض انبعاثاتها بشكلٍ مُباشر. ولكن بالنظر إلى إمكانيات التمويل التي تُتِيحها، يجب ألّا يتم التخلي عنه تماماً، كما يدعو البعض. بدلاً من ذلك، من الضروري بذل جهد أكبر لرفع مستوى نزاهتها.

وتحتاج السوق إلى مجموعة من القواعد الموّحدة. كما أنه من المهم تجنب الاحتساب المزدوج إلى جانب ضمان عدم تمويل المشاريع التي كان من المتوقع أن تُقام على أية حال. ويجب أن تؤدي المشاريع إلى تقليل دائم في الانبعاثات، لذا يمكن التركيز بشكل أكبر على تمويل إزالة الكربون عن طريق التكنولوجيا. كما أنه من الضروري وجود معايير مُحاسبية مُتسقة تقيس وتراقب مدى فعالية المبادرات في امتصاص الملوثات بمرور الوقت. من المهم أيضاً حصول السكان المحليين على مكاسب كافية من الإيرادات، لإمكان إعادة استثمارها في جهود الاستدامة. وبطبيعة الحال، فإن الاتفاق على التفاصيل ليس أمراً سهلاً، لكن مجموعة المعايير المُستقلة تؤدي حالياً إلى تقويض الثقة بالسوق.

ويُمكن لنظام البنوك التنموية متعددة الأطراف أن يلعب دوراً في دعم السوق، من خلال العمل جنباً إلى جنب مع خبراء الأُمم المُتحدة لتطوير الأُطُر المشتركة. وبإمكانه أيضاً تعزيز جهود بناء الشفافية في البنية التحتية المؤسسية والمالية التي تقوم عليها أسواق الكربون الطوعية، وذلك عبر المساعدة، على سبيل المثال، على تطوير سجلات عالمية لأرصدة الكربون.

إن أسواق الكربون الطوعية بحالتها الراهنة يمكن أن تخلق انطباعاً بأن هناك تحركاً في مجال مكافحة تغيّر المناخ. وفي ظل النقص الهائل للتمويل لمكافحة تغيُر المناخ، والارتفاع المتسارع بدرجات الحرارة، سيكون من الحماقة تماماً عدم المحاولة الجدية للإصلاح.

كلمات دالة:
  • FT

تجارة أرصدة الكربون في حاجة لإصلاحات كبيرة

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock