اخر الاخبارالمال والاعمال

بناء علاقة ود بين السياسة والأعمال في بريطانيا تأخر كثيراً

قضى الساسة البريطانيون الأسابيع الأولى من العام في إطلاق فيض من الحب تجاه الأعمال. فقد كشف ريشي سوناك، رئيس الوزراء، عن مجلس استشاري جديد للأعمال، فيما استضاف السير كير ستارمر، زعيم المعارضة، منتدى ضم 400 شركة في المملكة المتحدة؛ تدعيماً لعلاقة أوثق مع حزب العمال.

هذه بطبيعة الحال خطوات مرحب بها لإعادة إشراك الأعمال وتنشيط النمو في المملكة المتحدة.

لكن هذه الخطوات تأتي بعد فترة، كان الحزبان السياسيان ينظران فيها للأعمال بريبة، بل وبعداء صريح في بعض الأحيان. وقد اعتبرت الأعمال وقتها جزءاً من المشكلة التي تواجه النمو الاقتصادي، لا الحل. لكن الحقيقة غير المريحة تتمثل في أن الأعمال كلا الأمرين.

وثمة طريقتان لا ثالث لهما من أجل نمو مستدام، هي زيادة القوى العاملة، أو تعزيز إنتاجيتها. وجاء التوقف منذ الأزمة المالية العالمية في بادئ الأمر جراء تراجع إنتاجية المملكة المتحدة إلى ما دون الاتجاه الذي ساد قبيل اندلاع الأزمة. ومنذ الجائحة، تفاقم الأمر في ظل انكماش القوى العاملة للمملكة المتحدة بقرابة نصف المليون، وغالباً ما كانوا من كبار السن. وبذلك، أصبح هناك خلل في كلا المحركين.

وكانت التداعيات على الاقتصاد الكلي واضحة، وتمثلت في جمود الإنتاجية التي انعكست في هيئة ثبات للأجور الحقيقية، وصار الكثير من العمال أفقر اليوم مقارنة بما كانوا عليه في 2007، فيما هناك أكثر من مليون وظيفة شاغرة.

ويقع نصيب الأسد من المسؤولية على كاهل الأعمال البريطانية. هذا صحيح من الناحية الحسابية، بما أن الشركات تمثل غالبية ناتجنا وتوظيفنا، لكنه يعكس أيضاً أوجه عجز جوهرية في ممارسات الشركات البريطانية، خصوصاً تدريب الموظفين والاحتفاظ بهم.

وتحتل شركات المملكة المتحدة مركزاً دولياً لا تحسد عليه فيما يتعلق بالاستثمار في الأشخاص. فالإنفاق على التدريب للعامل الواحد يقل عن المتوسط السائد بين شركات الاتحاد الأوروبي بنحو النصف. وعالمياً، تحل شركات المملكة المتحدة في مرتبة متواضعة، هي المرتبة 29.

وهذا النمط يواصل التدهور، فقد انخفض إنفاق الشركات البريطانية على التدريب للموظف الواحد بقرابة %27 بين 2011 و2022. وشهدت الأيام القليلة الماضية أسبوع المتدربين. لكن فرض ضريبة على المتدربين في 2017، والذي جاء بهدف تعزيز استثمارات الشركات في المهارات، أسفر للأسف عن تراجع عدد المتدربين بما لا يقل عن %30.

ونتج عن ذلك الفشل عجز كبير وآخذ في الاتساع بالمملكة المتحدة. وتذهب بعض التقديرات إلى أن أكثر من 10 ملايين عامل ليس لديهم المهارات التي يحتاجونها من أجل إنجاز أعمالهم بفاعلية. وبالتالي، يعد هذا العجز واحداً من أكبر المساهمين في الإنتاجية الراكدة في البلاد.

وفيما يتعلق بالإبقاء على الموظفين، خصوصاً كبار السن منهم، فالأمر على الشاكلة نفسها. وتنخفض معدلات التوظيف لمن تزيد أعمارهم على 50 عاماً بسرعة، متراجعة بنحو نقطتين مئويتين في كل عام إضافي. وبحلول سن التقاعد القانوني عند 66 عاماً، سيظل واحداً من بين ثلاثة من الموظفين في القوى العاملة، وهي خسارة مزمنة للمواهب والخبرات.

وسيزداد تفاقم هذه المشكلة، فبحلول العام 2050، ستزداد نسبة ممن هم أعلى من 65 عاماً إلى واحد من بين أربعة. وفي ضوء معدلات مشاركة القوى العاملة الأخيرة، سيقلل هذا من القوى العاملة بأكثر من مليون شخص إضافيين. تواجه بلدان عدة أخرى مسألة شيخوخة القوى العاملة. لكن الوضع الأولي للمملكة المتحدة، بحلولها في المرتبة 21 من حيث توظيف العمالة الأكبر سناً، حسب «مؤشر العصر الذهبي» الذي تصدره «بي دبليو سي»، يبقى أسوأ من ذلك.

والسبب الأكثر أهمية وراء انخفاض توظيف العمالة الأكبر سناً هو تفشي التمييز على أساس السن. ويتمثل ذلك من خلال التوظيف التمييزي، وإعادة التدريب وممارسات العمل في الشركات، بما في ذلك ما يتعلق بالصحة المهنية ومرونة الوظائف. كم عدد الوظائف من المليون وظيفة الشاغرة مصممة خصيصاً لمن هم في مثل عمري، أو الأكبر سناً؟ الشاهد هو عدم وجود شرط قانوني للإفصاح عن الفئات العمرية للموظفين.

والسؤال الذي يثيره هذا الأمر هو: ما السبب وراء عدم مساعدة الشركات نفسها بزيادة الاستثمار في العمالة والمهارات؟ والمشكلة لا تكمن في نقص الوعي الذاتي، إذ تسلط الاستطلاعات الضوء على أن نقص العمالة والمهارات يحل بصورة منتظمة باعتباره العائق الأكبر أمام النمو. والمعضلة هي أن هذه المشكلات لا تخص فرداً أو مجموعة بعينهما، وإنما هي مشكلة عمل جماعي.

سيكون من الأرخص والأسهل على شركة ما أن تنتفع بمجهودات الآخرين، وتوظيف أشخاص جدد من ذوي المهارات، عوضاً عن الاستثمار في العمالة الموجودة. لكن هذه التصرفات مدمرة للذات، فهي تعيد نشر وتوزيع فجوات العمالة والمهارات بدلاً من رأبها. ولذا، يحتاج أرباب الأعمال إلى الاقتناع بالتحرك على نحو جماعي، وليس فردياً، بما يحقق منافع تعود عليهم جميعاً.

وتتمثل إحدى الطرق في التوصل إلى ميثاق طوعي، يضم الشركات من كل القطاعات والأحجام، ويلزمها بمستهدفات تخص تدريب الموظفين وممارسات التوظيف التي تشجع العمالة الأكبر سناً. وقد يشتمل المستهدف الأخير على الصحة المهنية، وإعادة التدريب والمرونة الوظيفية، وهي الأسباب الرئيسة وراء إعلان أكثر من نصف العاملين ممن يفوق سنهم 65 عاماً ترددهم في العودة إلى العمل.

وقد يطلب إلى المشاركين في الميثاق الإفصاح العلني عن التقدم المحرز، ما سيكون معززاً لحوافز الالتزام. وقد تتضمن هذه الحوافز أيضاً إعفاءات ضريبية على التدريب، وخصومات على التأمين الوطني لتوظيف العمالة الأكبر سناً، أو مخصصات مجمعة للصحة المهنية أو التدريب للشركات الأصغر. وقد تخضع مثل هذه المواثيق للتنسيق على المستوى المحلي، من خلال خطط جديدة لتحسين المهارات المحلية.

إن الجميع سيستفيدون من إعادة تنشيط النمو في الأعمال، والتوظيف، والاقتصاد الأوسع. وعموماً، فإن «هجوم الأفوكادو» الذي يشنه الساسة لن يؤتي ثماره بمفرده، فالالتزام الجمعي من الشركات بتدريب أكثر أصولهم قيمة، وهم البشر، والإبقاء عليهم، هو ما سينجز هذه المهمة.

كلمات دالة:
  • FT

بناء علاقة ود بين السياسة والأعمال في بريطانيا تأخر كثيراً

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock