اخر الاخبارالمال والاعمال

«بطاريات المياه».. حل فعال للغز تخزين الطاقة

ft

يصدر طنين مدوٍ عن الأسطوانة المعدنية التي تزن 230 طناً، مع دورانها بسرعة 600 دورة في الدقيقة الواحدة، فتشغّل مضخة مدفونة تحت الأرض، فتأتي بمعنى جديد لفكرة دفع المياه إلى الأعلى.

يكمن الهدف الأساسي لمحطة طاقة برتغالية في إظهار أن ضخ المياه على امتداد 7 كيلومترات لأعلى الجبل يمكن أن يكون جزءاً مهماً وعملياً من الناحية التجارية، لنظام طاقة تقوده الطاقة المتجددة.

تقع المنشأة في واد نهري صخري شمال البرتغال، تُعرف بأنها محطة تخزين بالضخ، شيّدتها «إيبردرولا» الإسبانية بتكلفة بلغت 1.5 مليار يورو.

لكن العاملين داخله يعرفون الخزان الواقع أعلى الجبل باسم آخر، فيسمونه «بطارية مائية»، وهي بدائية في مفهومها، لكنها مصممة على نحو معقّد وتمثل طريقة عالية الكفاءة لتخزين الطاقة.

وتستمد محطة «تاميجا» الطاقة الكهربائية الفائضة من الشبكة، والتي غالباً ما تكون مُوّلدة عن طريق طاقة الرياح أو الشمس، وتستخدمها لضخ المياه من خزان سفلي إلى آخر علوي.

وفيما كان يفحص السطح الأزرق الهادئ، قال رافاييل شاكون يورنتي، مدير مشروع «إيبردرولا»: «تكون البطارية مشحونة تماماً، عندما تكون المياه على مستوى 885 متراً أعلى من سطح البحر».

ويعكس النظام اتجاهه في ساعات الذروة، حينما تتطلب الشبكة مزيداً من الطاقة، فتفتح بوابات، تسمح لملايين الليترات من الماء كل دقيقة، بفعل الجاذبية، بالتدفق هبوطاً من خلال أحد الأنفاق.

وتتحول المضخة إلى توربين، يدير الأسطوانة المعدنية في الاتجاه المعاكس، فيولّد الكهرباء بتكلفة صفرية.

وإنتاج الطاقة كبير بالفعل، إذ يتمتع التوربين بقوة 880 ميغاواط، أي ما يقرب من ربع قدرة «هينكلي بوينت سي» التي ستصبح أكبر محطة للطاقة النووية في المملكة المتحدة.

وبفضل قدرة «تاميغا» على توليد الطاقة لما يصل إلى 24 ساعة، يبلغ إجمالي الطاقة المُخزنة في الخزان العلوي 21 غيغاواط في الساعة، ما يكفي لشحن 400.000 مركبة كهربائية، أو تزويد 2.4 مليون منزل في البرتغال بالطاقة ليوم كامل.

يشكّل هذا المخزن مكملاً حيوياً للدور العالمي المتنامي لطاقة الرياح والشمس في توليد الطاقة الخالية من الانبعاثات الكربونية. ومع ذلك، يتمثل التحدي أمام الشركات في إيجاد الظروف المناسبة لجعل مشروعات الضخ المائي جذابة اقتصادياً.

والمشكلة التي يحلها الضخ المائي هي التغيرات التي تطرأ على طاقة الرياح والشمس. فمن ناحية، لا تسطع الشمس دائماً، ولا تهب الرياح بصفة مستمرة.

ومن الناحية المقابلة، فحينما تكون الشمس حارقة وعندما تعصف الرياح، تولّد الألواح الشمسية والتوربينات الدوارة كميات كبيرة من الكهرباء تتجاوز بكثير ما يمكن استهلاكه في وقت ما.

ولأن شبكات الكهرباء ليس بإمكانها التعامل مع هذا الفائض، فيجب تخزين الكهرباء في مكان ما أو ستضيع هباء.

وستتنامى الحاجة لمثل هذا التخزين مع توسع رقعة الطاقة المتجددة. وحصلت البرتغال على 61% من طاقتها من مصادر متجددة في 2023، وتستهدف زيادة النسبة إلى 85% بحلول 2030. وبحلول هذا الموعد النهائي، ترغب إسبانيا في الوصول إلى نسبة 81%.

وفي محطات مثل «تاميغا»، يمكن استغلال الطاقة الكهربائية الفائضة لـ«شحن الخزان»، وغالباً ما يكون ذلك خلال النهار. وفي المساء، حينما يتم تشغيل الأضواء والأجهزة في المنازل، تتحول المضخة إلى توربين لتوليد الطاقة.

وقال دييغو دياز بيلاس، الرئيس العالمي للمشروعات والتكنولوجيا في «إيبردرولا»، إن البطاريات الكيميائية لعبت دوراً أيضاً في تخزين الشبكة.

وتوجد لدى «إيبردرولا» خطط لتوسيع القدرة العالمية لمشروعات البطاريات لديها إلى 3 غيغاواط في الساعة. لكن مع ذلك، فإن حجمها أقل مقارنة بالضخ المائي، من حيث القوة ومدة توليد الطاقة الكهربائية بكامل الطاقة، إذ تتراوح ما بين ساعتين إلى أربع ساعات بالنسبة لبطاريات أيونات الليثيوم، مقابل يوم كامل تقريباً بمحطة «تاميغا».

وأوضح دياز بيلاس: «عندما يكون لديك الكثير من الطاقة الشمسية، فهي تقترن جيداً للغاية بالبطاريات، لأن الطاقة الشمسية تتولد في ساعات النهار، ويمكن بعد ذلك تفريغ شحنة هذه البطاريات عندما لا تكون الشمس ساطعة». وتابع: «لكن حينما يكون لديك الكثير من الرياح- وستأتي 50% من الكهرباء من الرياح في أوروبا بحلول عام 2030 تقريبا، فأنت بحاجة لتخزين كميات ضخمة من الطاقة».

وتعرف البشرية التخزين بالضخ منذ نحو قرن من الزمان. فقد بُنيت منشآت عدة، مثل محطة «كرواتشان» التابعة لـ «دراكس» في اسكتلندا، في ستينات القرن الماضي، لتخزين الكهرباء الفائضة من المحطات النووية.

ويشكّل الضخ المائي اليوم أكثر من 90% من تخزين الكهرباء عالمياً، ويوجد الكثير منه في الولايات المتحدة، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

لكن هناك حاجة للمزيد والمزيد. وتتمتع «إيبردرولا» بمخازن بالضخ بقوة 100 غيغاواط في الساعة في كل من إسبانيا والبرتغال، وتعمل على إنشاء مخزن آخر بقوة 170 غيغاواط في الساعة أو قيد التجهيز. كذلك، لدى الصين خطط كبيرة لبناء المزيد.

وبمجرد الانتهاء من بنائها، تتمتع المحطات بأعمار طويلة وتدخل عمليات مراجحة لأسعار الطاقة الكهربائية.

وفي «تاميغا»، تشتري «إيبردرولا» الطاقة من الشبكة لعمليات الضخ حينما تكون رخيصة، ثم تبيع الطاقة مرة أخرى عندما تكون غالية.

وفي نظام الطاقة بالبرتغال، بلغت الكلفة في المتوسط خلال الأوقات خارج الذروة 54 يورو للميغاواط في الساعة، مقابل سعر يقرب 78 يورو في أوقات الذروة، وهنا علّق دياز بيلاس قائلا:

«هكذا تجني هامشاً من الربح»

يُعد مالكوم تورنبول، رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق، داعماً آخر للتخزين بالضخ، فهو الذي عمل على التنسيق لمشروع «سنووي 2.0» المملوك للدولة عندما شغل المنصب.

والذي صار مثالاً للتكاليف الإضافية الباهظة، ويُرجح الانتهاء منه في 2028 بتكلفة 8 مليارات دولار أمريكي (أو 12 مليار دولار أسترالي).

وقال تورنبول، في منصبه الجديد رئيساً للرابطة الدولية للطاقة الكهرومائية: «كل من لديهم تخزين بالضخ مسرورون… أستطيع أن أؤكد لكم بأنهم جميعاً يجنون المال»، وأردف: «المشكلة تكمن فقط في تكلفة بناء منشآت جديدة».

وبالفعل، النفقات الرأسمالية اللازمة طائلة، وقد تستغرق الإنشاءات ستة أعوام أو أكثر. وحصلت «إيبردرولا» على قرض بقيمة 650 مليون يورو من مصرف الاستثمار الأوروبي لبناء «تاميغا». ويتعين على المطورين أيضاً التفاوض حول إجراءات تراخيص معقدة ومواجهة معارضة متعنتة من السكان ونشطاء البيئة، ممن يقاومون هدم منازل وإغراق موائل طبيعية.

ولهذا السبب، أعلنت «إيبردرولا» حاجتها لمحفزات، تفوق مجرد فروق السعر. وفي «تاميغا».

حيث حصلت الشركة على تصريح بالعمل لمدة 70 عاماً من الحكومة البرتغالية، فإنها تحصل أيضاً على تدفقات مستمرة من مدفوعات «سوق القدرات»، تدفعها مشغلة الشبكة في مقابل إمدادات مضمونة، وخدمات أخرى، لكي تظل الشبكة مستقرة.

وتنظر شركات الطاقة بحسد إلى هذا المشهد. وتتوفر لدى اسكتلندا إمكانيات كبيرة لاستخدام الضخ بالطاقة المائية لتخزين الكهرباء التي تولدها الرياح. وتدر محطة «كرواتشان» التابعة لشركة «دراكس» أرباحاً، بفضل توقيعها عقود توريد عندما كانت أسعار الطاقة مرتفعة.

وقال إيان كينيرد، مدير الأصول الإسكتلندية لدى «دراكس»، إن الوضع التنظيمي في المملكة المتحدة لم يكن جيداً بما يكفي للمشروعات الجديدة، لكنه لم يكن متكيّفاً مع الفترات الطويلة للتخزين بالضخ. وشدد على الحاجة لإصلاحات، لإزالة مخاطر التمويل عن كاهل المستثمرين.

وفي «إيبردرولا»، قال دياز بيلاس: «لسنا بحاجة لأي شيء خيالي… كل ما نحتاج إليه حصولاً أسرع على التصاريح واستقراراً للإطار التنظيمي. ومن الغريب، في حقيقة الأمر، أننا هنا نتحدث عن تكنولوجيا عمرها 100 عام، لكنها مهمة للغاية للمستقبل».

كلمات دالة:
  • FT

«بطاريات المياه».. حل فعال للغز تخزين الطاقة

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock