اخر الاخبارالمال والاعمال

اندفاع جديد يظهر مدى قصر ذاكرة مستثمري البنوك

ft

يقبل الناس دائماً على الكعك الساخن. تتلهف القرود دائماً على ثمار الموز.. كذلك لن يكتفي المستثمرون في أدوات الدخل الثابت أبداً من أدوات رأس المال المصرفية المتخصصة، مثل السندات الإضافية من المستوى الأول.

قبل ثمانية أشهر فقط، انهار البنك السويسري العملاق كريدي سويس، وقامت الهيئات التنظيمية بتصفية جميع سندات المستوى الأول الخاصة به والتي بلغت قيمتها 17 مليار دولار، كانت التنبؤات واضحة: سوق سندات المستوى الأول الإضافية قد انتهت، وذلك رغم أن المستثمرين كان ينظرون إليها سابقاً على أنها سوق مرتفعة العائد ومنخفضة المخاطر تمنح البنوك رأس مال احتياطي. كما تبخرت الثقة في قابلية استثمار هذه الأداة مع تسهيل السلطات السويسرية على ما يبدو لعملية بيع كريدي سويس القسرية بقيمة 3.2 مليارات دولار لخصمه اللدود «يو بي إس».

لم يكن ذلك بسبب التصفية الدرامية في حد ذاتها فحسب، بل أيضاً بسبب انقلاب التسلسل الهرمي الراسخ الذي كان عادة يقوم بمعاقبة المستثمرين في الأسهم أولاً. لذلك، تجري حالياً العمل على سلسلة من الإجراءات القانونية في وجه السلطات السويسرية.

وقال أحد خبراء المال السويسريين: «هذه السوق ميتة. لن يثق أي مستثمر بعد ذلك أبداً في إصدار سندات إضافية من المستوى الأول، لكن تبين أن «أبداً» هذه هي مجرد فترة زمنية قصيرة جداً بالنسبة للمستثمرين المصرفيين». فخلال هذا الشهر، وفي تحول درامي، أصدر بنك يو إس بي نفسه سندات إضافية ضخمة من المستوى الأول بقيمة 3.5 مليارات دولار.

في البداية، ستبدو هذه السندات مشابهة جداً لسندات كريدي سويس القديمة، رغم أن «يو بي إس» يقول إن الشروط سيتم تعديلها بمجرد موافقة المساهمين. كما يشدد البنك على أنه بدلاً من أن تمحى هذه السندات في حالة الأزمة، ستحول إلى أسهم، ما يجعل هذه السندات السويسرية الإضافية من المستوى الأول تتوافق مع المعايير المتبعة في أماكن أخرى.

والغريب، أن إصدار يو إس بي شهد طلباً استثنائياً، فقد تجاوز سجل الطلبات قيمة 36 مليار دولار، أي أكثر بعشر مرات من حجم الإصدار النهائي، بعدما اصطف المستثمرون في طوابير للحصول على قسيمة بنسبة 9.25 %.

وتستفيد البنوك الأخرى من هذا الحماس، فمنذ أيام، بدأ بنك باركليز بتسويق سندات مستوى أول إضافية جديدة، ولقي الإصدار استقبالاً حافلاً مرة أخرى.

يقول المستثمرون إنهم يعتبرون الآن أن حالة بنك كريدي سويس حالة فريدة من نوعها. ويرجع ذلك، جزئياً، إلى طبيعة انهيار بنك كريدي سويس، فقد عانى البنك من خسارة حادة في ثقة العملاء وشهد سحباً سريعاً لأموالهم. جزء آخر، يعود إلى السياق السويسري المحيط حيث تختلف المصطلحات القانونية لسندات المستوى الأول الإضافية وكذا يختلف تطبيقها عما هو معمول به في أماكن أخرى.

ويقول مسؤول تنفيذي في إحدى الشركات الكبرى لإدارة الأصول: «لا يمكننا الاكتفاء الآن من سندات المستوى الأول الإضافية». والمنطق الأساسي سليم. قد تكون البيئة الاقتصادية الكلية شائكة مع الاضطرابات الجيوسياسية وانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة، والتي من المحتمل أن تؤدي جميعها إلى المزيد من حالات التخلف عن سداد القروض. ومع ذلك يبدو النظام المصرفي قوياً، مدعوماً باحتياطيات رأس مال أعلى بأضعاف ما كانت عليه عندما اندلعت الأزمة العالمية في عامي 2007 – 2008.

ومن المفارقات التي لم تفت على رؤساء البنوك الأوروبية، مثل سي إس فينكاتاكريشنان في بنك باركليز، أن الطلب الشديد على السندات الإضافية من المستوى الأول يتناقض بشدة مع الطلب الضعيف على أسهمه.

ولكن هل تفي هذه السندات بالغرض التنظيمي المخطط لها؟ نعم هي وفت بذلك، بطريقة ما، ففي حالة بنك كريدي سويس، ورغم كل الجدل المثار، فقد تمت استعادة الـ 17 مليار دولار من أموال البنك عقب انهياره، ما ساعد بدوره في تسهيل صفقة الإنقاذ مع يو إس بي وتخفيف المخاطر على دافعي الضرائب. لكن لأسباب مختلفة، بما فيها مراوغات السياق السويسري، لم تؤد سندات المستوى الأول الإضافية حقاً ما أرادته الهيئات التنظيمية العالمية.

لقد صممت في الأصل السندات الإضافية من المستوى الأول، المعروفة أيضاً باسم السندات القابلة للتحويل المشروط أو الـ«كوكو»، صممت لإعادة رسملة البنك الذي تضرر من خسائر كبيرة. وفي حالة بنك كريدي سويس، لم تكن الخسائر تحققت بعد وكانت نسب رأس المال قوية، لكن صانعي السياسات قللوا من تقدير التفاعلات بين ثقة العملاء، وحجم السيولة وقابلية الاستثمار.

وخلص البنك الوطني السويسري (البنك المركزي) في تقرير الاستقرار المالي السنوي، بعد بضعة أشهر من كارثة بنك كريدي سويس إلى أن سندات المستوى الأول الإضافية «لم تكن فعالة».

كان بالإمكان حجب القسائم لكن هذا لم يحدث، جزئياً لأن ذلك كان سيسلط الضوء على المخاوف المتعلقة بضعف الأداء. وقد ينطبق منطق الحلقة المفرغة إذا تم تفعيل عملية تحويل السندات إلى أسهم، مما كان سيؤدي إلى حالة من الذعر في سوق الأسهم. وسراً، تقر الهيئات التنظيمية في أماكن أخرى بأن سندات المستوى الأول الإضافية قد لا تكون مناسبة للغرض منها على الإطلاق.

وفي الولايات المتحدة، لا وجود للسندات الإضافية من المستوى الأول بمفهومها رغم وجود أسهم تفضيلية أكثر وضوحاً، والتي تتجنب المحفزات المعقدة وتناقض الشروط الخاصة بسندات «الكوكو».

ما سيحدث بعد ذلك يرجع إلى لجنة بازل التي تضم الهيئات التنظيمية العالمية. وفي العام الماضي، خلصت لجنة بازل في تقرير إلى أنه «لا يمكن في هذه المرحلة استخلاص استنتاجات ملموسة متماسكة بخصوص قدرة أدوات السندات الإضافية من المستوى الأول على استيعاب الخسارة». وفي ضوء أحداث هذا العام، إذا تبنت اللجنة نظرة سلبية تجاه هذه السندات كأداة رأسمالية قابلة للتطبيق على المدى الطويل، فقد لا تكون ثمة حاجة إلى حدث آخر على غرار حدث كريدي سويس للحيلولة دون الاندفاع الحالي في السوق.

كلمات دالة:
  • FT

اندفاع جديد يظهر مدى قصر ذاكرة مستثمري البنوك

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock