اخر الاخبارالمال والاعمال

المستثمرون يضعون أموالهم حيث تتجه أصواتهم الانتخابية

ft

مع اتساع الخلافات السياسية في الدول الغربية يتزايد تأثير مواقف الناخبين على تشكيل القرارات، التي تتجاوز مرحلة الانتخابات، بدءاً من ارتداء القناع أثناء جائحة «كوفيد 19»، إلى الغذاء الذي يجب تناوله، أو السيارة التي يجب قيادتها، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الميول السياسية قد أصبحت أيضاً عاملاً مهماً في تحديد كيف يستثمر الأفراد أموالهم، مع ما يترتب على ذلك من عواقب اقتصادية كبيرة.

وقد أظهر الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن التوقعات الاقتصادية للمستثمرين تتأثر بآرائهم السياسية، وقد وجدوا أيضاً أن استعداد المستثمرين لتحمل المخاطر المالية يعتمد على مدى توافق وجهات نظرهم مع آراء الحكومة، وعلى سبيل المثال، خلال رئاسة ترامب، كان الجمهوريون أكثر تفاؤلاً بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي من الديمقراطيين، وقد جعلت هذه التوقعات الجمهوريين أكثر إيجابية، ما أدى إلى احتفاظهم بمزيد من الأسهم في محافظهم الاستثمارية، بالمقارنة بالنقد أو السندات الأقل خطورة.

وحسبما أظهر التعاون مع ييهوي بان وإيلينا بيكولينا وتريسي وانج فإن تشكيل حيازات أسهم المستثمرين يختلف وفقاً للآراء السياسية، وذلك بعد دراسة الاستثمارات، التي قامت بها الأسر الأمريكية الثرية، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، والتي من المرجح أن تختلف في توجهاتها السياسية، ورغم أن الاختلافات طويلة الأمد لم تلعب دوراً يذكر في تشكيل عناصر المحفظة فإنها برزت على وجه التحديد كونها عاملاً مهماً في العقد الماضي.

وللتمييز بين الارتباط والسببية درسنا تجربة دخول شبكة سنكلير، وهي شبكة تلفزيونية محافظة، إلى أسواق وسائل الإعلام المحلية، ووجدنا أن دخولها إلى المجال لا يرتبط فقط بزيادة أصوات الجمهوريين المحليين المتزايدة في المنطقة، بل يبدو أيضاً أن لها دوراً في تشكيل محافظ الأسهم المحلية.

إن التباين في خيارات الاستثمار، المدفوع بالميول السياسية للأمريكيين، لافت للنظر، ويتناقض بشدة مع التقارب الإجمالي، الذي قد يتوقعه المرء في تكوين المحفظة، نظراً للفوائد المترتبة على التنويع والتكلفة المنخفضة للاستثمار القائم على المؤشرات، وهو ما يطرح التساؤل حول أسباب هذا الاختلاف والعواقب المحتملة.

وفي حين تبدو الأسباب متعددة فإن ثمة قوتين تشتركان في تفسير هذا الأمر إلى حد ما، ألا وهما الانتماءات السياسية، والتي تحرك المعايير والقيم بشكل متزايد، وكذا القيم التي تؤثر على قرارات الاستثمار على نحو متزايد، كما هي الحال مع الاستثمارات المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. وتظهر الأبحاث الاجتماعية الحديثة أن دور الانتماء السياسي في تشكيل القيم قد زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فيما ظل دور الدخل والعرق والجنس ووجود الناس بالمناطق الحضرية ثابتاً إلى حد كبير أو انخفض بعض الشيء، وفي الوقت نفسه فإن الاستثمار المرتبط بالقيم آخذ في الارتفاع.

وفي الوقت الحالي يركز المستشارون الماليون، الذين يقدمون خدماتهم لأثرياء الأمريكيين من أصحاب الحسابات المتوسطة، والتي تبلغ مليون دولار، على القيود والاستثناءات المستندة إلى المخاوف الاجتماعية والبيئية، حتى ولو ظلت العوائد، سواء النقدية أو غير النقدية، المرجوة من المحافظ المستندة إلى القيم محل شك.

وفي الواقع تشير دراسة حصة الاستثمار في الشركات، التي توجد بشأنها مخاوف بيئية أو عمالية، وفي الشركات الصغيرة المصنعة والموزعة للأسلحة النارية، إلى نمط واضح، ومن بين الأسر الثرية، التي لديها مستشارون ماليون فإن المجموعة ذات الميول الديمقراطية في الأغلب تقلل بشكل كبير من وزن هذه الشركات، ومن ناحية أخرى يبدو أن المستثمرين أصحاب الميول الجمهورية على الأرجح يقللون من وزن الشركات، التي يقودها رئيس تنفيذي ذو ميول ديمقراطية.

إن تجزئة المحفظة استناداً لدوافع سياسية لها العديد من الآثار المحتملة، أولها وأهمها، إضعاف تقاسم المخاطر في الاقتصاد، إذ تؤدي التفضيلات السياسية إلى تخفيف أو زيادة وزن بعض الشركات أو الصناعات أو القطاعات. ثانياً، سيتعين على الشركات والمستثمرين أن يكونوا على دراية بالتفضيلات غير المالية للمساهمين المحتملين، فعلى سبيل المثال عندما اضطرت الشركات الأمريكية في عام 2018 إلى الكشف للمرة الأولى عن نسبة أجور الرؤساء التنفيذيين إلى متوسط أجور العمال كان رد فعل السوق تجاه الشركات ذات الاختلافات الأكبر في الأجور أكثر سلبية بشكل ملحوظ بين المساهمين ذوي الميول الديمقراطية، والذين يكرهون عدم المساواة، وكان هؤلاء المستثمرون أكثر ميلاً إلى إعادة موازنة محافظهم الاستثمارية بعيداً عن مثل هذه الشركات.

وأخيراً قد تؤدي الاختلافات السياسية في المحافظ الاستثمارية إلى تعزيز الانقسام في المجتمع عندما يصوت المستثمرون، بما يتماشى مع مصالحهم الاقتصادية، لذا ففي حين قد تؤدي التفضيلات السياسية، على سبيل المثال، إلى الاستثمار في الشركات والتكنولوجيا «الخضراء»، فإنها توفر بدورها حافزاً اقتصادياً لصالح سياسات وانتماءات سياسية معينة، ما يخلق حلقة من ردود الفعل بين المصالح السياسية والاقتصادية، ولذلك يبدو أن التنويع على نطاق واسع قد لا يكون نصيحة استثمارية جيدة فحسب، بل يمكن أن يساعد أيضاً في مواجهة الاستقطاب السياسي المتزايد في المجتمع.

كلمات دالة:
  • FT

المستثمرون يضعون أموالهم حيث تتجه أصواتهم الانتخابية

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock