اخر الاخبارمعلومات عامة

القلق يحاصر أطلال المبدعين العرب وأضرحتهم

يبدو أن قلقاً مفرطاً أخذ يتنامى لدى المؤمنين بالتراث المادي بالتزامن مع ثورة الواقع الافتراضي التي أصبحت تهيمن على مفاصل الحياة في واقعنا المعيش.

لكنَّ اللافت أن ذلك القلق اتسع مداه بصورة لا مثيل لها فيما يخصُّ المبدعين العرب، إلى درجة يلحظ معها المتتبع للأحداث اليومية حالة من الخوف التي تتزايد خلال السنوات القليلة الماضية.

فلا تكاد تمرُّ بضعة أشهر حتى نسمع عن ضجة إخبارية جديدة تتناول خطراً يحدق بأثر من آثار مبدعينا العرب، سواء أكان بيتاً أم ضريحاً أم مخطوطاً أم أي شيء آخر من المقتنيات.

بيت نزار قباني

ولعل البداية كانت منذ ثلاث سنوات، حينما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لافتة في العاصمة السورية دمشق تُظهر إعلاناً عن عرض بيت الشاعر السوري الراحل نزار قباني للبيع، ما تسبب في جدل كبير بشأن مصير مقتنياته أيضاً في ذلك البيت.

وتداول المتابعون آنذاك صورة البيت، الذي يقع في حي مئذنة الشحم وسط مدينة دمشق القديمة، معبِّرين عن إعجابهم بمدخل البيت وغرفه وتفاصيل طرازه العريق التي رأوها مصدراً استوحى منه الشاعر صوره الشعرية البديعة.

لكنَّ المالك الحالي للمنزل، ويدعى محمد نظام رعد، سارع حينها لإنهاء حالة الجدل التي أحدثتها الصورة.

وأكد، بتصريحات في إذاعة «شام إف إم»، أن جده اشترى منزل الشاعر عام 1968، مشيراً إلى أن عائلته تقطن فيه الآن.

وفي لفتة لطمأنة قلوب القَلِقين، دعا رعد الراغبين إلى زيارة البيت، منوهاً بأن بابه مفتوح، وأنه هو وأسرته لا يفكرون في بيع البيت مطلقاً.

وتبيَّن بعدها أن الإعلان المتداول هو لمنزل معروض للبيع تملكه عائلة قباني، لكنه ليس بيت الشاعر نفسه الكائن في دمشق القديمة.

بيت العقاد

لكنَّ حالة القلق التي ثارت حول بيت نزار قباني لم تنتهِ بلا رجعة، بل جرى استحداثها لتحيط ببيت علَم عربي آخر، هو الأديب المصري الراحل عباس محمود العقاد.

ففي يناير الماضي، انتشرت بسرعة البرق أنباء على منصات التواصل الاجتماعي تفيد بأن الحكومة المصرية قد اتخذت قراراً رسمياً بإخلاء منزل العقاد بمسقط رأسه في أسوان جنوبي مصر تمهيداً لإزالته.

وكنوع من إضفاء الطابع الرسمي على الخبر، أوضحت الصفحات التي أسهمت في نشره أن القرار جاء بعد تقرير فني لكلية الهندسة بجامعة أسوان.

وأخذت المواقع التي تتناقل ذلك النبأ المقْلِق تطيل النَّفَس في وصف منزل الأديب الكبير، مبينةً أنه يُعَدُّ من التراث المعماري المتميز ويخضع لوزارة الثقافة المصرية، وأنه تم إنشاؤه بنظام الحوائط الحاملة عام 1948 على مساحة 220 متراً، ويتكون من دور أرضي وطابقين.

وأثارت تلك المخاوف حفيظة رشا العقاد، حفيدة الأديب الراحل، لتكشف عن حقيقة ما يدور حول منزل جدها الذي أكدت بالفعل أنه تم إخلاؤه.

لكنَّ رشا أوضحت أن قرار الإخلاء لم يكن بغرض الإزالة كما تردد، وإنما بهدف الترميم.

وذكرت حينها، وفقاً لموقع «اليوم السابع» الإخباري، أن لجنة من مديرية الإسكان كانت قد عاينت المنزل قبل 4 أشهر من قرار الإخلاء وأوصت بترميمه.

وقالت إن اللجنة التي قامت بالمعاينة أشرف عليها بنفسه اللواء أشرف عطية، محافظ أسوان، إلا أن الملف ما زال معلَّقاً برغم تسليم أوراق ثبوت الملكية.

وأضافت أن التكلفة المادية لترميم المنزل مرتفعة، لافتةً إلى أنه يصعب على أسرة الأديب الراحل تحمُّلها.

وتابعت أن أسرة الأديب الكبير حاولت ترميم الجزء الداخلي للمنزل، وهو ما توقف بعد وفاة عبد العزيز العقاد، ابن شقيق الأديب الراحل.

فيلا محمد عبد الوهاب

ولم يكن أهل الغناء والموسيقى بأحسن حالاً من الأدباء في تلك الحالة المستشرية من القلق.

ففي فبراير الماضي، ترددت الأسطوانة الإخبارية ذاتها حول منزل الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، مدعيةً أن مزاداً علنياً سيقام لبيع فيلا كانت في السابق مسكناً له بحي الزمالك في القاهرة.

وذكرت الأنباء المتداولة أن إحدى شركات المزادات العالمية المتخصصة في بيع العقارات هي من سيتولى إقامة ذلك المزاد.

لكنَّ «موسيقار الأجيال» كان حقاً سيئ الحظ في هذه القضية، فعلى الرغم من أن أسرته انبرت للرد على تلك الأنباء، فإنها لم تستطع أن تنفي حقيقته الـمُرَّة إلا بكلمة: «لا علم لنا».

وفي تصريحات نقلها موقع «صدى البلد» الإخباري، اعترف ابنا عبد الوهاب بأنه لا علم لهما بوجود ذلك المنزل الذي ترددت أخبار عن عرضه للبيع.

وقالت عفت محمد عبد الوهاب إن الأسرة لا تملك فيلا في الزمالك بالقاهرة أو في أي مكان.

وأضافت: «طول عمرنا كان عندنا شقة في الزمالك، ولما والدي توفي أقامت فيها زوجته نهلة القدسي، وحين قررت أن تغادر البلد وتعيش مع ابنها في الأردن باعت الشقة».

أما محمد محمد عبد الوهاب فقد اكتفى بالإعراب عن تعجبه، قائلاً، في مداخلة مع قناة «القاهرة والناس»: «والدي كان يمتلك فيلا في الهرم وقام ببيعها عام 1952، وكان لديه فيلا أخرى بمحافظة الإسكندرية، وقام ببيعها أيضاً في أواخر الستينيات».

إلا أنه لفت إلى لمحة جيدة قد تكون أقوى ما احتجَّ به لدحض الخبر، هي أن صور ديكورات تلك الفيلا المعروضة تُظهر أنها حديثة ولا تنتمي إلى عصر والده.

ضريح طه حسين

وكما أحاطت هواجس القلق بأطلال المبدعين العرب التي خلَّدت سنوات عمرهم، فإنها أيضاً أطلَّت برؤوسها عند مراقد وفاتهم التي مثَّلت آخر عهدهم بالدنيا.

ففي سبتمبر الماضي، أثار ظهور علامة (X) على مقبرة الدكتور طه حسين فزعاً شديداً تفاعل معه العديد من المهتمين بالأدب العربي داخل مصر وخارجها.

وأشيع حينها أن ثمة توسعات تُجرى من أجل تفادي أزمة المرور في شوارع العاصمة المصرية، ما يعني أن ضريح عميد الأدب العربي سيكون هو الضحية في ذلك المشروع الذي اعتمدته الحكومة المصرية.

وتردد آنذاك اسم الكاتب الصحفي الراحل ياسر رزق عَلَماً على أحد المحاور التي يتم إنشاؤها ضمن المشروع، لينشأ في الأذهان صراع وهمي بين الصحافة والأدب.

لكنَّ المهندسة جيهان عبد المنعم، نائبة محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، خرجت عن صمتها لتكشف حقيقة الأمر، نافيةً صحة قرار إزالة ضريح طه حسين.

وأوضحت جيهان، حسبما أفادت إذاعة «راديو مصر»، أن الأنباء المتداولة حول ذلك القرار لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

وقالت إنه لم يصدر قرار بإزالة مقبرة عميد الأدب العربي الواقعة في منطقة مقابر سيدي عبد الله بمنطقة التونسي بالقرب من مسجد ابن عطاء الله السكندري في نطاق حي الخليفة جنوبي القاهرة.

وأضافت أن هذه المنطقة لا تدخل ضمن أعمال التطوير التي تتم حالياً في حي الخليفة.

إلا أن القلق المتزايد لم تخفَّ وطأته بتلك التصريحات الرسمية، إذ واجهه من الناحية الأخرى تصريح لمها عون، حفيدة طه حسين، أكدت فيه أن أسرتها تفكِّر في نقل رفات جدها إلى خارج مصر، بسبب الأنباء الخاصة باحتمالية إزالة مقبرته من قبل محافظة القاهرة.

ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مها قولها إنه لم يتم التفكير في إجراءات نقل الرفات بعد أو البلد الذي سيستقبله خلال الفترة المقبلة.

هذه التصريحات الأخيرة المخيفة، التي رسَّخت في عقول المتابعين صحة الشائعة القائلة بإزالة ضريح طه حسين، أيَّدتها كذلك تصريحات حسن الزيات، حفيد عميد الأدب العربي، الذي قال إن المحافظة لم تخبرهم حتى هذه اللحظة بأي جديد بخصوص إزالة المدفن من عدمه.

وأكد أن الأسرة خاطبت كل الجهات ولم يتم الرد بأي جديد، ومن ثم لم تتخذ الأسرة قراراً خاصاً بالمدفن الذي يضم أفراد الأسرة، وليس الجد طه حسين فقط المتوفى سنة 1973.

ونوَّه بأن طه حسين خدم مصر وعاش فيها، موضحاً أنه كان من المنتظر التقدير الكافي لشخصية بهذه القيمة الكبيرة التي خلَّفت أثراً ثقافياً كبيراً.

ضريح يحيى حقي

ولم يكن الروائي المصري يحيى حقي بدعاً بين بقية المبدعين الذين دارت حولهم تلك الضجة خلال السنوات القليلة الماضية.

غير أن اللافت حقاً في الأزمة التي طالت شخصية صاحب «قنديل أم هاشم» تلك المصادفة العجيبة التي ارتبط فيها حدث نقل ضريحه بذكرى وفاته.

ففي التاسع من ديسمبر الماضي، قرر الأديب الراحل، الذي توفي سنة 1992 عن عمر ناهز 87 عاماً، دون رغبة منه، أن يغادر مرقده.

وتقرر نقل رُفاته من قبره بجانب السيدة نفيسة في القاهرة إلى العاشر من رمضان، إذ كانت وصيته الأخيرة أن يُدفن في مقابر العائلة خلف مسجد السيدة نفيسة، ليظل قريباً من آل البيت.

وعلى عكس كل ما مضى، كانت هذه الواقعة صحيحة فعلاً وليست كسائر الشائعات، إذ أكدت نهى يحي حقي، ابنة الأديب الراحل، أنه «سيتم هدم المقبرة ونقلها إلى العاشر من رمضان».

ونوَّهت، عبر حسابها الشخصي في «فيسبوك»، بأن والدها سيظل «في جبين الزمان واحداً من عطر الثقافة والفكر والأدب والفن كله».

وقالت إن قنديله سيبقى «مضيئاً في أفق تراث وطنك مصرنا الغالي»، راجيةً من يقرأ سطور تصريحها هذا بقراءة الفاتحة في ذكراه الثلاثين في يوم 9 ديسمبر.

ولم تملك نهى غير أن تبدي أسفها بسبب قرار نقل رفات والدها من مرقده، قائلةً: «آسفة يا صاحب القنديل، وعزائي أنك عند بارئك في رحمة الله وفي جنة الفردوس»، لكنها أضافت أن «الجسد ما هو إلا ثوب يخلعه الإنسان عند الموت».

وتابعت: «ذكراك ستظل ذكرى عطرة في جبين الزمان، بما قدمت وكتبت، وتركت محبة وتقديراً لا يمكن أن يُهدم مهما مرت الأيام».

وأوضحت، حسبما أفاد موقع «المصري اليوم»، أنه «من أصعب القرارات على الأسرة أن تنقل جثامين آبائها، ومن أيام قليلة فوجئت الأسرة بخطاب يفيد بضرورة نقل الجثامين الموجودة بالمقبرة إلى مقبرة بديلة بالعاشر من رمضان خلال أيام، بسبب قرار هدم المقبرة الواقعة بمنطقة السيدة نفسية بمحافظة القاهرة».

وعلى الرغم من أن أسرة الروائي الكبير حاولت بعدها التواصل مع الجهات التنفيذية، وإعلان وسم «#أنقذوا مقبرة_يحيي_حقي» الذي غزا مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، فإن تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل، ولم تستطع أن تقف عقبة أمام قرار الهدم.

كما اقتُرح حينها تزيين المنطقة بالأشجار حول مقبرة حقي لتجميل الميدان وتحويله إلى منطقة تُناسب الزيارات.

مسرحيتان بخط يوسف إدريس

وإذا كان هذا القلق قد أحاط ببيوت المبدعين وأضرحتهم، فإنه لم يفُته أن ينال أيضاً من إبداعاتهم وأعمالهم التي تشكِّل أسرار خلود ذكرهم في هذه الحياة.

ففي الخامس عشر من سبتمبر الماضي، استيقظ الوسط الأدبي في مصر خاصة، وفي العالم العربي عامةً، على نبأ مفزع.

فقد كشف الكاتب والمنتج السينمائي حسام علوان أنه عثر على مسرحيتين بخط الأديب الراحل يوسف إدريس، كانتا في طريقهما إلى أحد المصانع ليتم تحويلهما إلى أوراق مناديل.

وأوضح علوان، حينها، أنه اكتشف المسوَّدات المشتملة على المسرحيتين ضمن أوراق كان يتم تجهيزها لتنقل إلى مصانع الورق لإعادة تدويرها.

ونشر، عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك»، صوراً للمسوَّدات المكتشَفة، قائلاً: «النهارده نزلت أقلّب في شوية شكاير ورق دشت قبل ما يروحوا مصانع الورق يتفرموا ويتعملوا كراتين بيض وورق مناديل، لاقيت مسودات مسرحية الجنس الثالث، ومسرحية الفرافير للدكتور يوسف إدريس».

مقتنيات نور الشريف

ولم تكن هذه الواقعة بأشد فزعاً من الأنباء التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام عن سرقة مقتنيات الفنان المصري الراحل نور الشريف من مكتبة الإسكندرية.

لكنَّ الفارق الجوهري بينهما أن قصة مقتنيات نور الشريف لم تكن حقيقية، إذ نفاها مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد، الذي أكد أنها لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة.

وأوضح زايد، في مداخلة هاتفية مع قناة «القاهرة والناس»، خلال سبتمبر الماضي، أن أسرة الفنان الراحل أهدت المكتبة 6200 كتاب، و167 ورقة خاصة بشركة الإنتاج الخاصة به، وعدداً من الكراسات المكتوبة بخط يده.

وشدد على أن هذه المقتنيات موجودة في مكتبة الإسكندرية، وأن لديهم أوراق تسلُّم مسجلة لهذه المقتنيات.

ولفت إلى أن هذه الكتب في ركن معين بمكتبة الاسكندرية ومكتوبة باسم صاحبها.

وقال: «نور الشريف كان فناناً مثقفاً وعنده كمية كبيرة من الكتب التي تسلَّمت المكتبة جزءاً منها، ومكتبة الإسكندرية تتسع لأكبر عدد من الكتب، وكل وثيقة أو كتاب في المكتبة مسجلة».

كنز أدبي لتوفيق الحكيم

وتوالت الأحداث المشابهة لتلك الواقعتين، وكان آخرها عثور شاب مصري على مسودات نادرة للأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم.

ففي الثامن عشر من ديسمبر الماضي، اكتسب شاب يدعى «محمد فوزي» شهرة إعلامية، وأصبح ضيفاً معتاداً على شاشات بعض القنوات التلفزيونية في مصر، بعدما أعلن أنه اكتشف كنزاً أدبياً داخل شقة اشتراها في محافظة القاهرة لأغراض تجارية.

وأوضح فوزي، حسبما نقل عنه موقع «الوطن» الإخباري، أنه وجد ضمن ذلك الكنز العديد من مقتنيات الحكيم، ما دفعه إلى التواصل مع وزارة الثقافة المصرية لإيداع المسودات المكتشفة.

وقال إنه فوجئ بوجود أعمال أدبية وفنية وتراثية بعضها كُتب بخط يد الكاتب توفيق الحكيم، وحلقات إذاعية للعديد من المسرحيات والمسلسلات الإذاعية.

وأضاف أن الأوراق المعثور عليها اشتملت أيضاً على سيناريوهات للعديد من الأعمال الدرامية، بعضها خرج للنور، وبعضها ما زال حبيس الأوراق.

ولفت إلى أنه اشترى الشقة وكانت مغلقة، وتبين بعدها أن البائع هو حفيد توفيق الحكيم، وأن الشقة كانت مكتباً للكاتب توفيق الحكيم، وقد باعها له الحفيد ليغادر إلى مهجره بإحدى الدول الأوروبية.

وأكد أنه ما زالت العديد من الكنوز حبيسة صناديقها، مشيراً إلى أنه لم يستكشف بعدُ كل محتويات الشقة.

القلق يحاصر أطلال المبدعين العرب وأضرحتهم

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock