اخر الاخبارالمال والاعمال

الثروات تتآكل على مائدة التضخّم

ft

إنها ثروة قيمتها مليون دولار. للأسف.. لم تعد كما كانت من قبل. إن التضخم يواصل التهام ما في الجيوب. ولا يكتفي بذلك بل يضرب حتى صناديق الائتمان. وبين فائقي الثراء، قلة فقط يمكنها أن تتجاهل تداعيات الأسعار المرتفعة.

بطبيعة الحال، لا يتشارك الجميع نفس التداعيات، حيث يتحمل الأكثر فقراً الحصة الأكبر من المعاناة والآلام. لكن حتى عند قمة الهرم بين مجموعة الأغنياء تبدو التأثيرات واضحة، فالقيمة الحقيقية للثروات ظلت تتآكل خلال العامين الماضيين بمعدل هو الأسرع لها خلال الـ40 عاماً الماضية أو ما يزيد، حيث بلغ التضخم أعلى مستوياته منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبحسابات الدولار، تسبب التضخم في انخفاض الثروات بنحو 6 نقاط مئوية خلال العام الماضي وحده، ما يعني تحويل مكسب اسمي للثروة بمعدل 3.4% إلى خسارة فعلية في الثروة بمعدل 2.6%، وذلك بحسب تقرير الثروة السنوي، وهو دليل للثروات العائلية أصدره بنك كريديه سويس/ يو بي إس. ولا يعد الأمر مفاجئاً أو مستغرباً، وذلك بسبب القفزة التي شهدتها معدلات التضخم، حيث بلغت مستوى 8.3 % في الولايات المتحدة.

لكن المدهش أكثر، هو أنه خلال العقدين السابقين وبينما كان التضخم منخفضاً، أدت الأسعار المرتفعة إلى تآكل قيم الأصول. وحسبما تظهر البيانات، كان هناك 5 سنوات فقط منذ بداية القرن تجاوزت فيها العائدات الاسمية للاستثمارات نسبة 10 %، فيما لم يحدث مطلقاً خلال هذه الفترة أن تجاوزت العائدات الحقيقية هذا المستوى.

بمعنى آخر، وبأرقام أعدت خصيصاً لـ«فاينانشال تايمز ويلث»، أشار معدو تقرير كريديه سويس إلى أن 34 مليوناً فقط من بين 59 مليون شخص حول العالم يملكون أصولاً قيمتها مليون دولار أو أكثر يمكن تصنيفهم فعلياً على أنهم أصحاب أصول بمليون دولار بعد حساب التضخم منذ العام 2000. ومن بين من يملكون 50 مليون دولار أو أكثر، كان الرقم الفعلي 112 ألفاً ضمن إجمالي يبلغ 243 ألفاً.

وكما يوضح التقرير، فإن «التضخم يواصل إحداث تآكل في القيمة الفعلية للثروة خلال القرن الحالي (ويبدو أنه يجعل الأمر أسهل للبالغين في أن ينضموا إلى ركب المليونيرات)». وكل ذلك حدث في عقدين فقط كان متوسط التضخم خلالها في الولايات المتحدة عند 2.5%.

في الوقت الراهن، تتراجع معدلات التضخم من مستوياتها المرتفعة الأخيرة في كل من الويلات المتحدة وأوروبا الغربية. ومع ذلك، لا يتوقع إلا عدد قليل من الاقتصاديين العودة إلى المتوسط المنخفض للتضخم الذي شهدته الفترة من 2000 إلى 2020. ومن الواضح أن العقد الحالي، يبدو مختلفاً تماماً في كثير من الأوجه، في ظل ما يشهده من اضطرابات هائلة فيما يتعلق بالاستقرار والتجارة والتمويل على مستوى العالم بأسره.

إن نطاق المخاطر التضخمية الناتجة عن الجغرافيا السياسية واسع وعريض على نحو استثنائي، لأسباب عدة تشمل الحرب في أوكرانيا (ما أدى إلى زيادة أسعار المواد الزراعية)، والعقوبات الاقتصادية على روسيا (وهو ما تردد صداه في أسواق النفط) والمخاوف بشأن الاستقرار في الشرق الأوسط (وماله من تداعيات أيضاً على النفط) وما يتعلق بتايوان (وتأثيراته على إمدادات الإلكترونيات). والأهم من ذلك، التداعيات النقدية لسنوات من توفر الأموال الرخيصة، علاوة على الضغوط العمالية لزيادة الأجور بعد عقود من تراجع الرواتب الفعلية أو على الأقل جمودها.

لكن كيف يمكن أن يكون رد فعل المستثمرين تجاه ذلك كله؟ أحد الدروس المستقاة من الأرقام المعدلة بحسب الأسعار هي الأهمية المركزية للتضخم عند حساب كم من الأموال ستحتاجها لمواصلة المعيشة إذا لم تكن تعمل أو تكتسب دخلاً.. لو كنت تعيش، مثلاً، على وعاء ضريبي ما، أو تعتمد على صندوق ائتماني أسري. ما يهم في النهاية، ليس هو حجم ما لديك من أصول الآن، بل القيمة المستقبلية للدخل الذي سيتم السحب منه، بعد تعديل الأرقام بحساب التضخم.

إنّ مديري الثروات الذين يتسمون بالحكمة والحصافة غالباً ما يحثون عملاءهم على عدم التعويل كثيراً على ما إذا كانت عائداتهم الاسمية تتفوق على المؤشرات المعيارية للمحافظ (مثل مؤشرات الأسهم والسندات)، بل يدعونهم للتركيز بدلاً من ذلك على العائدات الحقيقية. قد تبدو هذه النصيحة في الغالب على أنها عذر يختبئ وراءه مدير ثروات ضعيف الأداء يرتعد خوفاً من أن يفقد عميله لصالح منافس يتجاوز المؤشرات المعيارية.

لكن هذا تذكير مهم بأن هناك عالماً آخر فيما وراء الأسواق المالية، حيث ستنفق فعلياً ما تقوم بسحبه من أموال من محفظتك بدولارات أو يوروهات أو جنيهات استرلينية حقيقية متأثرة بالتضخم. إنها نصيحة تزداد أهميتها في هذه الأيام التي تشهد الكثير من الاضطرابات للأسواق والمؤشرات، فيما يبدو التضخم مستداماً، حتى وإن كان يتجه للتراجع في غالبية الدول المتقدمة.

كلمات دالة:
  • FT

الثروات تتآكل على مائدة التضخّم

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock