اخر الاخبارالمال والاعمال

الاقتصاد الكُلي.. لا عودة إلى الماضي قريباً

ft

كبير الاستراتيجيين في مجال الاستثمار العالمي بشركة بلاك روك

لقد تغير المشهد الاستثماري بشكلٍ جذري. وقد ينتظر بعض المُستثمرين، أو يأملون، عودة أسواق الأسهم والسندات الصاعدة باستمرار التي عشناها لمدة 40 عاماً قبل الجائحة. ولكنني أعتقد أننا نشهد نظاماً جديداً، ولن نعود إلى ما كُنا عليه في أي وقتٍ قريب. لذا، فقد حان وقت التوقف عن الانتظار، والبدء في التعامل على أساس ما هو متاح، وما تُقدمه لنا بيئة الاقتصاد الكُلي حالياً. وذلك سيتطلب نهجاً أكثر مرونة وذكاء مما كانت الحال عليه في الماضي.

أحد الأسباب، هو أن الآفاق الاقتصادية باتت أكثر غموضاً، فقد تأرجحت الروايات في أسواق الولايات المُتحدة بين آمال الهبوط السلس، ومخاوف الركود خلال عام 2023. لكن السياق هو كُل شيء. فرغم النشاط الاقتصادي حديثاً، إلا أن الاقتصاد الأمريكي نمّا بشكلٍ أبطأ خلال السنوات الثلاث الفائتة، مما كان عليه قبل الجائحة. ولا وجود للهبوط، نحن نخرج من الحفرة فحسب.

وثمّة ميل طبيعي لتفسير التضخم والنمو، كما لو كنا في دورة اقتصادية نموذجية، ولكننا لسنا كذلك. ومع عودة الاقتصاد العالمي إلى طبيعته بعد الجائحة، فإنه يتشكّل بفعل قوى جديدة، مثل تقدم السكان في العمر، والتفتُت الجيوسياسي، والتحوّل إلى اقتصاد منخفض الكربون. إذن، نحن في خضم تحوّل هيكلي ضخم، من المُرجح أن يشهد انتقال الاقتصادات الكُبرى إلى مسارات نمو أقل، وسط قيود الإنتاج المُستمرة. ويؤدي هذا الفصل بين السردية الدورية والواقع الهيكلي إلى تأجيج تقلبات السوق.

وقد تبدأ البنوك المركزية الكُبرى في خفض أسعار الفائدة من منتصف العام المُقبل، إلا أنها لن تعود إلى مستويات ما قبل الجائحة. وسيتعين على الاحتياطي الفدرالي الأمريكي كبح النمو، لكي يتماشى مع الطاقة الإنتاجية المُقيدة، لا سيما في ظل سياسة مالية أكثر مرونة. وستظل أسعار الفائدة المُرتفعة موجودة. لذا، على المُستثمرين أن يتعلموا مُجدداً كيفية تجاوز العائد النقدي الذي يبلغ حوالي 5 % تقريباً. ويجب أن تؤدي أسعار الفائدة الأعلى هيكلياً في نهاية المطاف، إلى عوائد أعلى على الأصول. ولكن، من وجهة نظري، لم تخضع تقييمات الأصول كلها للتعديل.

وبينما تتكيف الأسواق بشكلٍ متقطع مع هذا الواقع الجديد، يُمكننا توقع رؤية تباين أكبر في العوائد. وعلى سبيل المثال، تُظهر بيانات مجموعة بورصة لندن، أنه خلال فترة الاستقرار الاقتصادي التي سبقت الجائحة، والمعروفة باسم الاعتدال الكبير، كانت توقعات المحللين لأرباح الشركات المتوقعة مجمعة أكثر خارج الصدمات الكبرى. والآن أصبحت أكثر تبايناً، ما يُظهر أن بيئة التضخم وأسعار الفائدة المُرتفعة تُصعّب قراءة التوقعات.

يتطلب استغلال الفرص من هذا الاتجاه، التعامل الديناميكي مع المحافظ الاستثمارية، وعدم الاعتماد على التعرُض الثابت لفئات الأصول واسعة النطاق، التي عملت بشكلٍ جيد خلال الأسواق الصاعدة المستدامة في الماضي. وفي الواقع، تشير تحليلاتنا إلى أن التقلبات العالية وتباين العوائد يعنيان أن تحريك المحافظ الاستثمارية بشكلٍ مُتكرر في النظام الجديد، يمكن أن يُكافأ بشكلٍ أفضل من السنوات التي سبقت الجائحة، بينما كان نهج الاختيار والنسيان أفضل في النظام القديم.

إذن، هذه هي النظرية. فكيف أضعها قيد التنفيذ؟ لقد غيرنا تخصيص الأصول لدينا بشكل أكثر تكراراً. ومثال على ذلك: غيرنا وجهة نظرنا التكتيكية تجاه سندات الخزانة الأمريكية، للاستفادة من تقلبات أسعار الفائدة الحالية المُتزايدة. وكنّا نميل إلى تقليل وزن سندات الخزانة طويلة الأجل منذ أواخر عام 2020، حيث توقعنا ارتفاع أسعار الفائدة، وأن تكون «علاوة الاستثمار طويل الأجل» أكثر إيجابية، مع العوائد الإضافية للمستثمرين مقابل مخاطر الديون طويلة الأجل. وقد غيرنا موقفنا إلى الحياد قبل بضعة أشهر، حيث أصبحت المخاطر أكثر تحديداً في اتجاهين. ثم أيضاً زدنا وزن السندات الحكومية الأوروبية، وسندات خزانة المملكة المُتحدة، لكننا قلصنا هذا الموقف منذ ذلك الحين، بالنظر إلى انخفاض العوائد. وهذا النهج الأكثر ديناميكية، يتناقض بحِدة مع الوضع السابق، الذي ظل قائماً لفترة طويلة، بسبب انخفاض وزن السندات طويلة الأجل في الأسواق المتقدمة.

وفي ما يتعلق بأسهم الولايات المتحدة، يقودنا التقييم الاقتصادي الكلي إلى اتخاذ موقف بتقليل الوزن بشكلٍ عام، مقارنةً بمؤشرات المحافظ الاستثمارية، وتعوض ذلك الإمكانات الكامنة بأسهم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ما يجعلنا أقرب إلى موقف محايد.

وبالإضافة إلى قطاع التكنولوجيا بشكل عام، نُفضل الصناعات، والبنوك الأوروبية الانتقائية، والرعاية الصحية الأمريكية في تخصيصات المحافظ الاستثمارية. وقد رفعنا مستوى الأسهم اليابانية مرتين هذا العام، وما زلنا نُفضلها لعام 2024، ولكن على أساس عدم تحوط العملة. ونُفضل في الأسواق الناشئة الهند والمكسيك، باعتبارهما مُستفيدتين من تنويع سلاسل التوريد والاتجاهات الديموغرافية المُفيدة. إننا نشهد عهداً جديداً، ولن نعود إلى ما كانت عليه الأمور في أي وقتٍ قريب. هذا عالم تُتاح فيه المُكافآت للمستثمرين الذين يمكنهم التحرك بمرونة، في ظل تحول هيكلي إلى أسعار فائدة أعلى، وتقلبات أكثر، وتباين أكبر في العوائد.

كلمات دالة:
  • FT

الاقتصاد الكُلي.. لا عودة إلى الماضي قريباً

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock