اخر الاخبارالمال والاعمال

الاقتصاد العالمي ليس بالقوة الممكنة لمواجهة أزمة جديدة

ft

يختلف خبراء الأمن القومي والأسواق المالية على ما يبدو في ماهية ما سيأتي تباعاً على صعيد التصعيد الأخير للتوترات بين إيران وإسرائيل، ويأتي التساؤل عمن يكون المُصيب في نهاية المطاف بتداعيات بالغة، ليس فقط على الشرق الأوسط غير المستقر، وإنما أيضاً على الاقتصاد العالمي، واستقرار نظامه المالي.

وكثيراً ما تجلّت مقولة «الشرق الأوسط الجديد» في توصيف معسكر الأمن القومي لما أسفر عنه الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا مطلع هذا الشهر، ولكن من أجل مزيد من الدقة، فقد تخطى كلا الجانبين الكثير من الخطوط، وهاجم البلدان بعضهما بعضاً مباشرة المرة الأولى في التاريخ.

وعلى الرغم من ذلك، كان رد فعل الأسواق هادئاً ومضبوطاً نسبياً. وبدلاً من احتدام التداعيات السوقية الناجمة عن تصعيد طويل المدى للتهديدات الجيوسياسية والأخطار الأكبر غير المُتوقعة، المتمثلة في ارتفاع كبير وطويل الأمد بأسعار النفط، سارع المتداولون إلى تهدئة التحركات الأولية في الكثير من أسعار الأصول. ويشمل هذا النفط، وهو المؤشر الدولي الأكثر حساسية حتى الآن، فاختتم تداولات الجمعة الماضية دون المستويات المُسجلة قبل الرد الإيراني على هجوم تل أبيب على القنصلية.

ويمكن لعواقب التناقض بين وجهات نظر السوق والخبراء أن تتخطى الاستقرار الإقليمي، ويرتبط الأمر مباشرة بأربع مسائل تحدث عنها صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، عادّاً إياها مهمة لرفاه الاقتصاد العالمي والاستقرار المالي، وتتمثّل هذه المسائل في الآتي: النمو غير الكافي، وثبات التضخم، وغياب مرونة السياسة، والضغوط المرتبطة بالتباين الدولي الأكبر في النواتج الاقتصادية ووضع السياسات.

وفي حين يستطيع الاقتصاد العالمي مجابهة عثرة مؤقتة، فإن هشاشته لن تمكّنه من التعاطي وصدمة اقتصادية كبيرة جديدة، لاسيما أن جولة إضافية من التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل من شأنها تقويض النمو العالمي المنخفض والهش، ما سيدفع بتضخم السلع إلى الارتفاع في وقت يظل فيه تضخم الخدمات مرتفعاً للغاية، وليس ذلك فحسب، بل ستفرض مطالبات على السلطات المالية والنقدية، التي استنفدت قدراً كبيراً من مرونتها السياسية ويتوافر لديها مجال محدود للتحرك.

وفي الوقت ذاته، فإن توزيع صدمة الركود التضخمي هذه سيفاقم التباينات الاقتصادية والمالية، التي تسفر عن قدر من الضغوط على النظام العالمي.

أولاً، سيتعرض اثنان من المحركات المُحتملة للنمو العالمي، وهما الاقتصادات الأوروبية والاقتصاد الصيني المُجهدان لصدمة كبيرة نسبياً، بالنظر إلى اعتمادهما الكبير على الطاقة المُستوردة.

وثانياً، يزداد تراجع تضخم الولايات المتحدة صعوبة في وقت يتسم فيه التقدم نحو تقليص ضغوط الأسعار بأنه مخيب للآمال هذا العام، ما سيكون مثبّطاً أكبر لخفض الاحتياط الفيدرالي المبكر لأسعار الفائدة.

وثالثاً، سيتمتع الدولار الأمريكي القوي بمزيد من المكاسب، ما يقوّض الوساطة التجارية والمالية.

وأخيراً، تزداد علاوات المخاطرة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية، ويؤدي هذا بدوره إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض عما كانت لتكون عليه الأمور لولا هذه التطورات.

وتتصف هذه الاعتبارات بأهمية أكبر عند الوضع في الحسبان ما لم يحدث في المناوشات المتبادلة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، وينبئ كل هذا بتحوّل هائل في الديناميكيات بين هذين البلدين. والأكثر أهمية من ذلك، فقد غيّر هذا اختلال التوازن النسبي المستقر، الذي عزف فيه كلا الجانبين عن شن هجمات مباشرة، وتحوّلا عوضاً عن ذلك إلى اختلال توازن غير مستقر ولا يمكن التنبؤ به، طرأت فيه سوابق وخيمة وصار لدى كل طرف منهما مزيد من الأسباب لتصعيد التوترات.

وعند مقارنة رد فعل الأسواق بوجهات نظر غالبية خبراء الأمن القومي، فلا يسعني سوى تذكر قصة الضفدع في الماء المغلي.

ولا شك في أن الجولة الأخيرة من المناوشات بين إيران وإسرائيل تخطت الكثير من الخطوط وعززت حرارة التوترات الجيوسياسية في المنطقة لأمد طويل. ومع ذلك، يبدو أن الأسواق حريصة على تجاهل هذا الأمر، إذ تشعر بارتياح تجاه عدم وصول الأمور بعد إلى درجة الغليان، وتتمثل هذه في وقوع خسائر بشرية كبيرة وأضرار مادية في الجولات الانتقامية تلك، وهي نقطة كانت لتسبب اختلالات اقتصادية ومالية بالغة، ومن الممكن أن رد الفعل هذا كان شديد الهدوء عند الوضع في الحسبان أنها منطقة عُرضة للوقوع ضحية للأخطاء في الحكم، وعدم كفاية فهم الخصوم، فضلاً عن حوادث التطبيق.

عميد كلية كوينز بجامعة كامبريدج ومستشار لمجموعتي أليانز وجراميرسي

كلمات دالة:
  • FT

الاقتصاد العالمي ليس بالقوة الممكنة لمواجهة أزمة جديدة

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock