اخر الاخبارالمال والاعمال

إلى متى يمكن أن يستمر ازدهار ريادة الأعمال؟

ft

تضمنت أنشطتي خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا تمارين الهولا هوب، وكتابة الأغاني، وتغطية أسطح مطبخي برقائق الألومنيوم لمنع قطتين صغيرتين من سرقة طعامي (وهو ما لم أوفق به).

في المقابل، تبنّى آخرون خططاً أكثر ربحية، حيث شهدت بعض الدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة طفرة في إطلاق الأعمال التجارية. وكان ذلك مفاجئاً نظراً لأن فترات الركود عادة ما تقضي على الشركات الناشئة. أما المفاجأة الأكبر فقد أبرزتها دراسة حديثة توصلت إلى أن تسجيل الشركات الجديدة في أمريكا استمر في الازدهار. ولكن من المؤسف أن ثمّة بوادر للقلق من أن هذا الازدهار لن يستمر. وبالتأكيد ستمثل عودة الزخم لنشاط الأعمال التجارية أخباراً جيدة للغاية.

على مدى العقود القليلة الماضية، بدا أن روح ريادة الأعمال في الولايات المتحدة قد ذَوَتْ؛ حيث انخفضت أعداد الشركات حديثة الإنشاء وهيمنت الشركات الأقدم والأكبر على الساحة. وأصاب هذا الاتجاه آخرين بتأثيراته السلبية، حيث أظهرت دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 18 دولة أنه بين عامي 2000 و2015 انخفض متوسط معدل إنشاء أعمال جديدة بمقدار 3%، وعلى العكس إذا سارت الأوضاع في اتجاه إيجابي فمن الممكن أن تنشأ مجموعات جديدة من الشركات الابتكارية المتقدمة.

وقد ساءت الأمور خلال الأشهر القليلة الأولى من اجتياح الوباء. ولكن فيما بعد شهدت بعض الدول، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، زيادة في إنشاء الشركات الجديدة. وفي أغسطس من عام 2023، ارتفع عدد الطلبات الشهرية المقدمة من أولئك الذين اعتبرهم مكتب الإحصاء الأمريكي «أرباب عمل محتملين» بنسبة 40% تقريباً عما كانت عليه في عام 2019. وفي بادئ الأمر لم يكن مؤكداً أن هذا الارتفاع الملحوظ في الطلبات سيترجم بالضرورة إلى أعمال تجارية حقيقية، غير أن ذلك أكدته الوثائق، حسبما أشار كل من ريان ديكر، ممثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وجون هالتيوانجر الباحث بجامعة ميريلاند.

إذن، هل تُعدّ هذه صحوة للشركات؟ ربما لا، إذا كانت مجرد استجابة مؤقتة لأنماط الطلب الجديدة المرتبطة بالاتجاه للعمل عن بعد. ويشبه ديكر وهالتيوانجر ذلك بـ«تأثير الدونات»، حيث يرتفع عدد الطلبات والنشاط في الضواحي على حساب الأحياء المركزية بالمدن الكبرى. وبمقارنة عام 2019 بعام 2022، تساوى عدد تراخيص الأعمال تقريباً في مانهاتن، بينما ارتفع في كل من برونكس وهارلم وبروكلين.

وفي إشارة أخرى إلى تحول مؤقت مرتبط بالوباء، شكلت تجارة التجزئة عبر الإنترنت حوالي ربع الزيادة في تطبيقات الأعمال في بريطانيا، وجزءا أصغر قليلاً في أمريكا. والمستفيد من هذا حتى الآن هو موقع إتسي، الذي ارتفعت أعداد بائعيه على مستوى العالم من 2.5 مليون في عام 2019 إلى 6.3 ملايين اليوم. ورغم تقديري البالغ لانتشار الشموع العطرية برائحة سوفليه اليقطين، وأزياء الخفافيش المحاكة يدوياً، فإنني لا أعتقد أنها بمثابة جوجل أخرى مثلاً في الطريق إلى الازدهار.

ويثير بنجامين بوجسلي، الباحث بجامعة نوتردام، مخاوف في ذات الشأن، إذ يرى أن شركات الموجة الجديدة كانت صغيرة نسبياً. وبما أن الحجم يعد مؤشراً على الصمود، فهذا الصغر لا يبشر بالخير. كما يلاحظ أن القطاعات التي شهدت نمواً غير مطَّرد، يغلب على شركاتها النوع الذي بدأ صغيراً واستمر صغيراً، بما في ذلك شركات المباني السكنية وخدمات البناء ومستحضرات العناية الشخصية.

وفي بلدان أخرى بخلاف الولايات المتحدة، يبدو أن تأسيس الأعمال التجارية الجديدة قد تراجع بالفعل. إذ أوضحت دراسة أجرّاها كل من سليم باهاج وصوفي بيتون، من بنك إنجلترا، وأنتوني سافاجار، من جامعة كينت، أن الشركات البريطانية التي تأسست أثناء الجائحة كانت أقل نشراً للوظائف وأكثر عرضة للتصفية، وقد عاد معدل تسجيل الأعمال التجارية الآن إلى سابق عهده قبل الجائحة. وتشير البيانات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الموجة الأعلى في إطلاق الشركات الجديدة في فرنسا والسويد وهولندا قد انتهت.

ومن المحتمل أن تتحدى الولايات المتحدة الاتجاهات السائدة. إذ ربما يستمر نشاطها الاستثنائي لفترة أطول بفضل سخاء الدعم النقدي الذي جرى تقديمه للناس، مما منحهم التمويل اللازم لإنشاء أعمالهم الخاصة. وهناك أدلة على دور شيكات الإعانات الأولية في دعم ريادة الأعمال، خاصة في الأحياء التي يقطنها في الأغلب أمريكيون من أصول إفريقية.

أو ربما منحت حالة الاقتصاد الأمريكي المنتعشة المزيد من الثقة في العملاء. لكن في كلتا الحالتين، لا تبدو التوقعات مبشرة. فمدخرات فترة الجائحة تتلاشى بسرعة، فيما يبذل الاحتياطي الفيدرالي قصارى جهده لخفض الطلب.

فإذا كنت تميل إلى التفاؤل، وأصابك ما سبق ببعض الكآبة، فهناك كثير من بصيص من الأمل. فقد شهدت الولايات المتحدة في أعقاب الجائحة زيادة لطلبات التسجيل في فئة «الخدمات المهنية والعلمية والتقنية» بقطاع التكنولوجيا الابتكارية المتقدمة، ويشمل ذلك الخدمات المعمارية وتصميم أنظمة الكمبيوتر والبحث العلمي والتطوير. وقد حدثت هذه الزيادة قبل إقرار قانون خفض التضخم، أي أن السياسة الصناعية لم تكن هي السبب، لكن يمكنها أن تساعد في الحفاظ على حالة الانتعاش.

الحقيقة الأخيرة التي يجدر التمسك بها هي أنه لا يهم إذا كان حجم الكثير من الشركات الجديدة صغيراً، فهذا يكاد أن يكون الحال دائماً. كل ما نحتاج إليه هو أن يتميز عدد قليل من الشركات بقدر كبير من الابتكار وأن تنمو بسرعة وتخرج الشركات القائمة من حالة اللامبالاة والرضا عن الذات. وحتى الآن، لا يبدو أن الإنتاجية قد نهضت بعد من كبوتها قبل حلول الوباء، على الرغم من أنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة ذلك.

سأتمنى الأفضل، لكنني أتوقع الأسوأ.

كلمات دالة:
  • FT

إلى متى يمكن أن يستمر ازدهار ريادة الأعمال؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock